كما أن أجسامنا تحتاج إلى التغذية الجيدة والفيتامينات والمعادن كذلك هي أرواحنا تحتاج إلى الجلوس بين يدي الله سبحانه وتعالى بعضا من الوقت بالتهجد والعبادة والذكر والشكر لله تعالى على نعمه التي أنعم بها علينا.
ومن هذه النعم العظيمة هي نعمة الدعاء للمناجاة والتضرع لله سبحانه وتعالى في دفع ما يؤذينا واستجلاب ما تحبه أنفسنا وما تصبوا إليه من الكمالات ومن النعم والرزق الحلال والمغفرة والرحمة الإلهية كما قال تعالى في كتابه الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا لي لعلهم يرشدون) البقرة 186.
ومن عقائدنا نحن الشيعة هو الدعاء وكما ورد في كثير من الأحاديث عن الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحث على الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى في العسر واليسر والسراء والضراء والشدة والرخاء وكما ورد في الحديث الشريف ((الدعاء سلاح المؤمن)).
ومعنى الدعاء: هو الالتجاء إلى الله تعالى وطلب المعونة منه في جميع الأمور وكذلك طلب بركاته بأن يطلب العبد من الله تعالى أن يبارك له في جميع خطواته التي يتجه إليها وأعماله التي ينوي الاقدام عليها، وكما قال الله تعالى في كتابه الكريم ((ان ابراهيم لأواه حليم)) التوبة 114.
أواه: أي دعَاء.
ودعَاء: أي كثير الدعاء.
فقد كان نبينا ابراهيم (عليه السلام) كثير الدعاء لله تعالى والشكر والذكر، ويعتبر الدعاء صلة الوصل الحقيقية بين العبد وربه فإن كل إنسان في داخله هواجس الالتجاء إلى شخص ما في شدائده وفي ظروفه القاسية التي تحيط به وإن الإنسان لا يجد دائما هذا الشخص الذي سيواسيه ويحتضنه ويرأف به ويحنّ عليه غير الله سبحانه وتعالى خالقه ومعطيه ورازقه والمتحنن عليه والفائض عليه من فضائل إحسانه وجوده وكرمه في جميع نعمه عليه، هذه النعم التي تغمر الإنسان من غير أن يشعر بها أينما التفت وأدار بوجهه.
والدعاء يجمع بين الافتقار والانكسار الإقرار كما لو أننا تكلمنا مع الله سبحانه وتعالى في كل يوم وقلنا له يا رب... كم أنت عظيم يا الهي!
أنت الذي اطعمتني... أنت الذي كسوتني... أنت الذي سقيتني.... أنت الذي آويتني أنت الذي رزقتني..
يا رب وصلتني إذ قطعني الناس... أعطيتني إذ حرمني الناس... ورزقتني إذ بخل علي الناس... وتحببت إلي إذ ابتعد عني الناس.. وتقربت مني إذ جفاني الناس... وستررت علي إذ فضحني الناس... واويتني اذ طردني الناس... والجأتني اذ هجرني الناس... فأنت ملجئي ومنجاي ومعتمدي ورجاي...
هكذا تكون لغه الحب بين العبد وربه، والدعاء سبب لانشراح الصدور وزوال الهموم والغموم والأحزان وضيق الصدر كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، فهل هناك أعظم من أن نناجي ملك الملوك وجبار الجبابرة الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وكما علمنا أئمتنا (عليهم السلام) وساداتنا وقاداتنا في الكثير من أدعيتهم التي وردت في الصحيفة السجادية لعلي بن الحسين (عليه السلام) الملقب بزين العابدين في أدعيته المأثورة وفي مناجاته المذكورة مثل مناجاة المحبين... ومناجاة الشاكرين... ومناجاة المستغفرين... ومناجاة الطالبين... ومناجاة الذاكرين... ومناجاة الراغبين... إلى آخره من هذه الأدعية والكنوز الثمينة والقيمة التي ورثَنا إياها أئمتنا (عليهم السلام).
ويعتَبر الدعاء من أفضل العبادات التي تقرب العبد إلى ربه فقد ورد عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (أفضل العبادة الدعاء) فالمؤمن يأنس بالحضور بين يدي الله سبحانه وتعالى ويستبشر رحمته وكرمه وعطفه.
ومن أجمل ما سمعت وقرأت في روايه وردت عن أئمتنا (عليهم السلام) أن امرأة سألت نبي الله موسى (عليه السلام) أن يدعو لها بأن يرزقها الله تعالى بالحمل... فدعا لها نبي الله موسى (عليه السلام) بذلك لله سبحانه وتعالى وقال يا الله أرزق هذه المرأة بالحمل فقال الله عز وجل لنبيه موسى، يا موسى إني كتبتها عاقرا، فذهب نبي الله موسى إلى المرأة وقال لها أن الله قد كتبك عاقرا.. وبعد فترة من الزمن كان نبي الله موسى يتمشى ويذكر الله فرأى المرأة التي كتبها الله عاقرا تحمل على كتفها طفلا!! فقال لها من هذا؟؟ أو من أين لك هذا؟؟ فقالت إن الله تعالى رزقني هذا الطفل
فقال موسى أولم يكتبك الله عاقرا؟! فقالت له كلما كتبني الله عاقرا ناديته بيا أرحم الراحمين وألححت عليه وناديته بيا أرحم الراحمين فرزقني الله تعالى بالحمل.
نستنتج من هذه القصة مدى رحمه الله تعالى بعباده.
وكيف أن الدعاء والتقرب من الله تعالى قد يغير كل حياتنا حتى القضاء الذي قضاه الله تعالى علينا وأبرمه ابراما..
فقد ورد عن أهل بيت النبوة (عليهم السلام): (لا يرد القضاء إلا الدعاء) فلذلك أقول فلنجعل أسلوب حياتنا (بيا أرحم الراحمين) هذا الأسلوب الصحيح وفي جميع أحوالنا في الشدة والرخاء.
وكما ورد في حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء)، وقال (تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة).
وتفسير هذا الحديث أي أن الإنسان المؤمن إذا كان يدعو الله تعالى في الرخاء فإن الله يستجيب دعائه في الشدة ويقضي حوائجه، فلا ينتظر الإنسان أن يقع في الشدائد حتى يدعوه بل على المؤمن أن يدعو الله تعالى في الشدة والرخاء والسراء والضراء.
وإن استشعار عطايا الله تعالى من خلال الدعاء أمر يقوي عزيمة الإنسان ويجعله أكثر ثباتا وإيمانا فالدعاء لا يكون فقط في وقت الشدة والحاجة بل يكون بكل الأحوال والأوقات وبكل زمان ومكان ، وإن العبد بالدعاء يستشعر القرب من الله تعالى.
وما أحوج المؤمن إلى الأنس بربه والاتصال به ليلا ونهارا واستشعار نعمه سبحانه في زمان طغت فيه المادة وانعدمت فيه الصلات فما أحوجنا إلى أن نلجأ إلى الله سبحانه وتعالى في كل كبيرة وصغيرة سائلين إياه العون وطالبين منه المدد خاضعين خاشعين طالبين رجاه سبحانه وأنه تعالى أقرب إلينا مما نتصور كما قال تعالى في كتابه الكريم (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) سورة ق آية 16.
وكذالك من الأدعية المأثورة المباركة التي وردت في القرآن الكريم هو (الذكر اليونسي ) وهو ذكر عظيم وهو بسم الله الرحمن الرحيم (لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين).
وأختم بقولي إن من أسباب حسن الخاتمة والتوفيق التقرب لله عز وجل بالدعاء، فالدعاء ومعراج المؤمن والسفينة إلى الله سبحانه وتعالى وخير من تمثل بهذه السفينة هو الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطيبين الطاهرين الذين هم سبل الله الذين بهم يفتح الله وبهم يغلق، فهم أبواب الله المأتي منها والمأخوذ عنها.
اضافةتعليق
التعليقات