نود أن نعبر بربط مفهومي الفلسفة والقيادة معاً، عن مدى أهمية المعارف الفلسفية في السلوك القيادي والفلسفة تعني السؤال المنهجي، وكذلك العودة دائماً من جديد لدراسة ما كان مقبولاً في السابق. كذلك فإن الفلسفة تسلط الضوء على الأفكار والآراء المكتسبة، وتختبرها لتضعها مرة بعد أخرى تحت الدراسات النقدية وبناءً على هذا التعريف فإن على القوى القيادية أن تحاول اتخاذ فرضيات معينة تكون مرشدةً لها في عملها، وأن تختبر هذه المبادئ والأسس وتعيد اختبارها ومراجعتها من حين لآخر.
تتميز العلوم الأخرى بإبراز بعض الطرائق المعينة، أو بالالتزام بدراسة مجال اختصاصي نوعي. وبرأيي فإن هذا لا ينطبق على الفلسفة حتى الآن، كما ولا يمكن تحقيقه لاحقاً، لأن هذا العلم يعيش دائماً تحولات جذرية بين زمن وآخر التطور عند كانت وهيغل وداروين.
تظهر العلوم الفلسفية في حاضرنا على أنها طيف واسع شامل تكاد الرؤية لا تحيط به من المبادئ والأسس المختلفة، ولكنها تعود في النهاية لتتناول إجابة التساؤلات المتعلقة بوضع الإنسان في العالم. ماك غريغور Mc Gregor واحد من أهم العلماء الذين عنوا بعلم القيادة (الإدارة) وقد كان من ضمن ما بحثه ماك غريغور في مؤلفه الشهير «الجانب الإنساني في المؤسسة The Human Side of Enterprise فلسفة القيادة ووضع في ذلك عدة فرضيات هامة. ماك غريغور هذه الفرضيات «نظرية س» و نظرية (ع).
تنطلق نظرية س من فرضية المستوى المتوسط للجماهير والتي نلخص مقدماتها كما يلي:
1 - لا يرغب الإنسان العادي بالعمل بطبيعته، ويسعى ما أمكن لتجنب ذلك.
2 - ولذلك يجب أن يلزم الناس بالإكراه والرقابة والقيادة والوعيد، لكي يحققوا أهداف المؤسسة التي يعملون فيها بدرجة كافية.
3 - الإنسان النموذجي يستسلم للقيادة، ويتجنب المسؤولية ولديه القليل من الطموح، ويسعى إلى الأمان.
أما نظرية ع فتنطلق من فرضيات مختلفة تماماً:
1 - التعب الجسدي والعقلي في العمل طبيعي تماماً كالتعب عند اللعب وتمضية أوقات الفراغ والإنسان النموذج لا يأنف العمل بطبيعته.
2 - التوجيه الخارجي والتهديد بالعقاب ليسا الطريقتين الوحيدتين اللتين تتحقق بهما أهداف المؤسسة.
3 - إن مدى الاستعداد للأداء وتحقيق بعض الأهداف المحددة يتعلق بالمكافآت التي ترتبط بتحقيق هذه الأهداف، وأهم هذه المكافآت هو إثبات الذات الذي يكون نتيجة مباشرة للجهود المبذولة في سبيل تحقيق أهداف المؤسسة.
4 - لا يتعلم الإنسان العادي، في ظروف العمل الصحيحة، تحمل المسؤولية وحسب، بل يتعلم أيضاً كيف يسعى إليها بنشاط وفاعلية.
5 - إن الاستعداد لتقديم مقدار كبير من الخيال وموهبة الابتكار والعمل الخلاق في إيجاد الحلول لمشاكل المؤسسة، متوفر لدى شرائح كبيرة من الجماهير وليس لدى قلة منهم فقط، يجب أن تكون النظريات حافزاً على التفكير والتأمل، وقد أعطى ماك غريغور إشارة إلى ذلك بنظريتيه المتباينتين. فالنظرية ع تأتي بالطبع أقرب إلى الأسلوب القيادي الديمقراطي التوافقي المفضل في هذا الكتاب. ويجب أن نذكر هنا أيضاً أن الفرضيات الأساسية لهذه النظرية تعني ضمن ما تعنيه أن التسلط (فرض السلطة) قد يكون مناسباً أيضاً.
تُطبق المؤسسات ذات القيادة الصحيحة والعناصر القيادية الجدية، فلسفة تعتمد على ما تم شرحه وتفصيله في الفصل الأول:
- احترام الإنسان الفرد.
إعطاء الفرصة للإنسان لتحقيق النجاح والبروز بين الأقران.
- معاملة العاملين في المؤسسة كأناس راشدين.
هنا يبدأ مفهوم العلاقات الإنسانية باكتساب الأهمية فالعلاقات الإنسانية الوظيفية مع العاملين الآخرين تشكل عنصراً مركزياً هاماً في نجاح العمل القيادي.
يجب أن تنجح الأطر القيادية بإذكاء اندفاع العاملين لتنفيذ عمل تعاوني بناء، لأن التطورات الهامة في الاستراتيجية والتلاؤم لا يمكن أن تتحقق إلا بواسطة هذه الطريقة.
يجب إزالة كل العقبات البيروقراطية أو على الأقل إنقاصها إلى الحد الأدنى الممكن، إذا أراد المرء تشجيع السلوك المؤسساتي الخلاق، يجب أن تنجح القيادات بتجنب العلاقات الإنسانية المتوترة والهدامة في المؤسسة كما يجب تجنب وقوع العاملين ضحايا لصراعات سلطوية داخل المؤسسة وهذا ينطبق بالذات على الشريحة الشابة من العاملين وعلى أولئك الذين يشغلون مواقع عمل مستضعفة وحساسة، هذه مطالب كبيرة. وأية قيادات تفي بهذه المطالب تكون قد أدركت بوضوح أسس التوجيه البشري (الإنساني) وتتصرف بناء على هذا الإدراك.
اضافةتعليق
التعليقات