إن الآلام والمحن هما شيئان لا تخلو منهما حياة الإنسان، بمجرد أن نقبل بهذه الحقيقة يمكننا أن نجتازهما، بل ونرى معنى الحياة ومغزاها بشكل أكثر وضوحاً.
تقول إنك لا تريد تلك المعاناة، ولكن بهذا الشكل تكون قد فقدت الحياة إطارها، إن سبب انتحار العديد من الناس يتوارى خلف عدم فهمهم لمغزى الحياة جيداً، بل ويخيل لهم أن الحياة ممتلئة بالحلو وحسب، وتخلو من المرارة والانتكاسات، وخاصة في اللحظات الأولى لعلاقات الحب فالسعادة التي تفرزها الهرمونات تجعل المرء يعتبر الحماسة حالة طبيعية ومسلم بها، ولكن في الحقيقة، إن الحالة الطبيعية للحياة تجمع بين كل من السلاسة والصعوبة، وكذلك أيضا بها تيار خفي وجارف فعند أكثر درجات التفكير عمقاً نجد أننا لن نفارق الآخرين وحسب، بل سنفارق العالم أيضاً، وكذلك سنمضي قدماً بخطى غير ثابتة ومترددة ..
كل خطوة في الحياة تسوق الإنسان إلى الاقتراب من هاوية الموت لذا لا داعي للتوهم لأن هذا يجعلك تحافظ على اتزانك لوقت أطول بل وتستكين بداخل وحدتك مطمئن القلب.
إن التجارب لا تخلو من الجروح، ولا يمكنك أن تتطلع إلى المضي إلى الأمام مع تجاربك ولكن دون اصطحاب آثار الجروح هذه، فبتقبل هذه الحقيقة يمكننا أن نجتاز الموت ونحلق في الأفق، ونرى معنى الحياة بوضوح جلي.
ذات مرة، كُنتُ ذاهبة إلى مدينة في قلب الصحراء، وقبل السفر تواصلت مع صديقة من أهل المدينة هناك ولكن هذه الصديقة لم تكف عن قول: «أستاذة بي ينبغي عليك أن تستعدي جيدًا فنحن هنا عادةً ما تداهمنا عواصف رملية تحجب نور الشمس، الطقس ممتاز هذه الأيام ولكنني لستُ متأكدة إن كان سيظل بهذا الشكل حتى اليوم الذي تصلين فيه أم لا».
تملكني قدر من الحيرة والتعجب فعادة ما يقول الناس لبعضهم: «إن مجيئك أحضر طقسًا بديعاً» أو «الطقس أيضًا يرحب بك».
وغيرها من كلام المجاملات الذي يعرفه الجميع ولكن في الواقع، إن الإنسان ضعيف جداً؛ فكيف يمكننا أن نؤثر على الطقس؟!
كانت هذه الصديقة تذكر الطقس مراراً وتكراراً بشكل أثار فضولي فقلتُ لها: إننا ليس بيدنا أن نختار جمال أو سوء الطقس، إن طبيعة الطقس هذه هي جزء من ملامح مدينتكم وطبيعتها وكذلك العواصف الرملية التي تحجب نور الشمس هي أيضاً من خصائصها.
ربما لا يكون في بال المتكلم ما يقوله ولكن المتلقي يأخذه على محمل الجد.
قالت لي هذه الصديقة: إن السكينة قد غمرت قلبها واطمأنت بعد الكلام الذي قلته لها. تعجبت للغاية لأنني شعرت أنه لم يكن بين سطور كلماتي التي قلتها أية كلمات تحمل محاولة للتهدئة والطمأنة قالت صديقتي: الطقس عندنا هنا متقلب جداً ودائماً يبدأ بعض الأصدقاء بالشكوى بمجرد أن ينزلوا من الطائرة مما يتسبب في إحراج للمضيفين.
أقول إن الطقس السيئ هو جزء من الطبيعة تماما مثل حياة كل إنسان، يجب أن يهطل المطر فيها، وكذلك لا تخلو من بعض الأيام المظلمة والموحشة، شيء أشبه بأن المرء لا يستطيع أن يتناول الحبوب الغذائية الناعمة طوال الوقت لأنه بهذا الشكل يمكنه أن يصاب بسرطان القولون لذا فلا بد أن يتناول الألياف الخشنة أيضاً، وكل من الطقس السيئ والحزن والموت والمرض، أشبه بتلك الألياف الخشنة في حياتنا، علينا أن نتقبلها بهدوء.
لا تتطلع إلى بحر خال من العواصف والأعاصير لأن في هذه الحالة لن يكون بحراً، بل حوضاً من الوحل.
اضافةتعليق
التعليقات