تناول نادي أصدقاء الكتاب في الاجتماع الشهري له كتاب: (قلق السعي الى المكانة) للكاتب دو بوتون وقد لاقى رواجاً واقبالاً كبيراً .. وقد كان محلاً لترحيب مشتركات النادي اللاتي اصطحبهنَّ هذه المرة في رحلة إتجاه النفس الإنسانية فيغوص بها إلى أكثر مستوياتها عتمة..
ويروي قصة لا تروى جهاراً عادة ولا نعترف بها حتى أمام أنفسنا وهي سعينا وراء حب الناس على حد قوله فهي (حكاية مُخجلة وسرية) فمعنى إبداء الحب لنا أن نشعر أننا محط انشغال وعناية، حضورنا ملاحظ واسمنا مسجل وآراؤنا ينُصت إليها وعيوبنا تقابل بالتساهل وحاجاتنا ملباة ويُعَّرف بوتون قلق المكانة بأنه قلق ينتاب الإنسان خوفاً من أن يخفق في كسب علامات الاحترام والمنزلة في أعين مجتمعه! فيعمد بوتون إلى معالجة أسباب هذا القلق في القسم الأول من الكتاب ثم ينتقل في القسم الثاني إلى اقتراح الحلول ويعالج بوتون كلا القسمين بإستخدام الأدلة النفسية والتاريخية والسياسية تارة وبالإستشهاد بحياتنا اليومية المعاصرة تارة أخرى وكل ذلك بأسلوب سلس ومشوق ومحبب يأسرك من بداية الكتاب حتى نهايته.
ما الذي يُشعل قلقنا؟
يحصي الكتاب أسباب رئيسية تُسهم في تأجيج نار قلق المكانة ويبدأها برغبة الانسان في الأزلية والأبدية بالحب إلى درجة أنَّهُ يفسر بعضاً من السلوكيات البشرية في تحصيل المال لا رغبة به في حد ذاته بل طمعاً بالمنزلة التي ستوفرها حيازته والتي ستؤمِّن مقداراً أعلى بالانتباه والحب..
إن الدافع المُهيمن وراء رغبتنا في الارتقاء على السُلم الاجتماعي قد لا يكون مرتبطًا بما نراكمه من سلع مادية أو مانحوزه من سُلطة بقدر مايرتبط بمقدار الحب الذي نتطلع إليه إلى أن نتلقاه نتيجة للمكانه العالية ويشرح بوتون في شرح أسباب أخرى تجعلنا نقلق إزاء مكانتنا في عالمنا المعاصر ذي الوتيرة المتسارعة والتنافسية خصوصاً إذ يزداد تقدير المادة يوما بعد يوم ثم يقارن مابين عالم الأمس الذي كانت المكانة فيه تكتسب بالولادة ونتيجة لعوامل لاشأن للإنسان فيها كالهواية والعرق والطبقية الأجتماعية ومابين عالم اليوم الذي يستطيع الإنسان فيه تكوين مكانته بنفسه عن طريق السعي إلى النجاح المهني فالمالي فهل كان هذا التحول الذي منح الادارة الخاصة حريتها وانطلاقتها ايجابياً بالمنطلق؟ وماذا عن القلق المتزايد الذي تسببه مطالبتنا شبه الدائمة في تحسين حياتنا ومكانتنا؟
أسئلة كثيرة لا يتوانى الكتاب عن تفصيلها وشرح ملابساتها ويقدم بوتون بعد عرضه جذور المشكلة أنواعاً مختلفة من الحلول الذي تقوض في نظره دعائم أنظمة المكانة الاجتماعية أو تخلخل بنيانها على الأقل عن طريق طرح أنواع مختلفة من التراتبية لا تحتل فيها الثروة الصف الأول فيبدأ من الفلسفة وينتقل إلى الفن فالسياسة ثم الدين والبوهيمية أخيراً.
إن تاريخ الفن حافل بتحديات نظام المكانة تحديات قد تتخذ شكلاً ساخراً أو غاضبا أو غنائياً أو حزيناً أو طريفاً.
وفي عرضه لأهمية الفن بكل أنواعه في الاعتراض على نظام المكانة يقدم إلينا نماذج متميزة من الأدب. مؤكدا على دوره في اكتشاف مكامن الخلل والقصور في كل نظام اجتماعي يمجد المال والجاه والسلطة.
ويستدرك بوتون أخيراً أهمية أنظمة المكانة في المجتمع على الرغم من كل الأسى الذي تسببه للبشر فهي سُنة من سنن الطبيعة في النهاية قديمة قدم وجود الإنسان على الأرض ..
مهما كان القلق بشأن المكانة مزعجاً فمن الصعب أن نتخيل حياة طيبة تخلو منه تماماً ذلك أن الخوف من الفشل ومن الخزي في أعين الآخرين عاقبة لابد منها لامتلاك طموحات قلق المكانة هو الثمن الذي ندفعه مقابل أدراكنا أن ثمة تمييز متفق عليه بين حياة ناجحة وحياة غير ذلك.
وجدير بالذكر أن نادي أصدقاء الكتاب أسسته جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية هادفاً إلى تشجيع القراءة والمطالعة عبر غرس حب الكتاب وفائدته في المجتمع.
اضافةتعليق
التعليقات