السير يمنحنا أيضاً هدوء الروح. بالصبر، تصبح تجربتنا الداخلية أشبه ببحيرة ساكنة منها بنهر ثائر. وبدلاً من أن نشعر بالغضب أو الذعر في مواجهـة كـل حادثة تلقي بها الحياة إلينا خطة يتم إلغاؤها، أو موعد نهائي لا يستطيع زميل في العمل الوفاء به، أو مهمة معينة تنسى شريكة شريك حياتك أداءها. نصبح قادرين على أن نضع الأشياء في إطارها الصحيح، الأمر الذي يسمح لنا بالحفاظ على هدوء أعصابنا.
بهذا الهدوء، بدلاً من أن نكون أشخاصاً بائسين يسببون الإزعاج لكـل مـن حولهم، نصبح من يتطلع إليهم الناس بحثاً عن الراحة والعون والفكاهـة عندما تسير الأمور على نحو خاطئ. كتب المؤلف "أنطوني دي ميللو" في وصـف هـذا الوقف قائلا: "الوضع على ما يرام. رغم أن كل الأشياء في حالة من الفوضى، فالوضع على ما يرام".
بالصبر، نصبح أكثر قدرة على أن نظل هادئين من الداخل، مهما كان ما يحدث خارجنا، ونثق في قدرتنا على التعامل مع أي شيء يعترض طريقنا. وتلك الثقة تمنحنا طمأنينة رائعة.
وأحد أسباب ذلك هو أنه من بين مرادفات الصبر نجـد تعبير "امتلاك النفس"، أحب هذا التعبير، فهو يساعدني على تذكر أننا، بالصبر، نصبح مسئولين عن أنفسنا وقادرين على التحكم في تصرفاتنا. بالصبر، نستطيع أن نختار كيف نستجيب لأي موقف نتعرض له، بدلاً من أن نصبح تحت رحمة مشاعرنا. بهذه الطريقة، يصبح الصبر شبيهاً بالدعامة الرئيسية في جسم القارب، والتي تساعدنا على أن نحتفظ بثباتنا في أعصف البحار، في نفس الوقت الذي نواصل فيه التحرك في الاتجاه الذي نرغبه.
لا بأس: قوة القبول
الصبر يمنحنا أيضاً القدرة على أن نحتمل بنفس سمحة تلك العقبات التي نصادفها في طريقنا، وعلى أن نستجيب لتحديات الحياة بشجاعة وقوة وتفاؤل. الإخفاق في العمل، أو خيبة الأمل في الحب، أو الإصابة بإعاقة خطيرة، أو التعرض لكارثة تتعلق بالمال، هذه هي بعض المحن التي قد نصادفها عن طريق رحلة حياتنا. والصبر في مثل هذه المواقف ليس معناه أن علينا أن نحـب العقبات والمشكلات التي تلقى في طريقنا، وإنما أن ندرك أنها جزء لا يتجزأ من الحياة، الأمر الذي يجعلنا لا نُصعب المسألة أكثر بأن نضيف إليها مشاعر المرارة أو الحقد أو اليأس، وبدلاً من أن نشكو أو نتألم، نشمر عن سواعدنا ونعمل على معالجة المهمة التي نحن بصددها.
والصبر في صورة قبول ما نتعرض له من محن وعقبات يساعدنا كذلك على أن نتعاطف مع الآخرين إدراكاً منا لحقيقة أننا جميعاً كبشر لدينا أوجـه قصـور وعجز، الصبر يمنحنا المرونة العاطفية التي تمكننـا مـن أن نستجيب للآخرين برقة ولطف، ونشعر تجاههم بالحنو والشفقة. عندما تعتني في حب بأبيك المسن الذي لم يشكرك أبداً على ذلك، وعندما توضح في هدوء للمرة المائة لطفلك الصغير الذي لا تعرف كيف ترضيه لماذا لا يستطيع أن يتسلق فوق الأثاث، فأنت تظهر الصبر بوضوح، وتحتمل مواقف ما كنت تفضل احتمالها. وأنت تفعل ذلك لأنك تدرك أن من أوجد هذه المواقف هم أشخاص مثلك لا يتصفون بالكمال، يريدون فقط أن يكونوا سعداء.
من خلال تقبل الآخرين على ما هم عليه، وتقبـل الحيـاة كمـا هـي عليـه الآن، نثبت قوتنا الحقيقية وما نتسم به كبشر من روعة وجمال. من السهل أن نتقبـل الأمـور عـنـدما تكـون كـلـهـا علـى مـا يـرام، ولكـن عنـدما نتحلى بالصبر في المواقف التي لا تسير الأمور فيها بالطريقة التي نريدها، نصبح أبطالاً بحق.
خذ من وقتك دقيقة وتأمل إحدى المرات التي استخدمت فيها قوة الصبر. ما ملابسات هذه الحادثة؟ هل قمت في تلك المرة بتهدئة موقف كان سيشتعل في ظروف أخرى؟ هل عاملت شخصاً يهمك بطريقة أفضل مما كنت ستعامله بها لو انفجرت غاضباً؟ : كيف كان شعورك وأنت تفعل ذلك؟ ما الذي ساعدك على أن تتصرف بصبر؟ ما الذي حدث كنتيجة لذلك؟
والآن فكر في إحدى المرات التي كان فيها أحد الأشخاص صبوراً معك. كيف عاملك هذا الشخص؟ كيف كانت مشاعرك نتيجة لذلك؟ ما الذي كنت قادراً على فعله أو تعلمه كنتيجة لذلك؟
ونظراً للأهمية والقيمة الكبيرة للصبر، فإن كل الديانات قد قدمت لنا نماذج يمكن الاقتداء بها. فالبوذيون يتعلمون أن التحلي بالصبر على طريقة "بوذا" يعتبر إحدى الطرق التي توصل إلى المعرفة والتنوير، كما أن "الصبور" هو اسم من أسماء الله الحسنى في الإسلام. وفي العهد القديم يعتبر نبي الله "أيوب" أعظم مثال للصبر، كما أن حياة وتضحية السيد المسيح يعتبران مصدر إلهـام للمسيحيين.
وبسبب قيمة الصبر، فليس لدي أي شك في أنه في وقت أو آخر قد أخبرك شخص ما أنه "يجب" عليك أن تكون أكثر صبراً. ومن الجائز أن هذا هو ما تحدث به نفسك أو تقوله لأطفالك، (فأنا أعرف أنني أفعـل ذلـك). ولكـن هـل يفلح هذا الأمر؟ الاحتمال الأرجح أن الإجابة بالنفي، إن مجرد إخبار أنفسنا بأنه يجب علينا أن نفعل شيئاً ما نوبخ أنفسنا ونقسو عليها عندما لا نفعله- ليس أمراً فعالاً، وكل ما يفعله هو أنه يولد مشاعر اللوم والخجل. - وبعد ذلك
إن عدم الصبر هو عادة من العادات، وكذلك القدرة على الصبر. ولكي نغير إحدى عاداتنا، نحتاج إلى دافع قوي، وهذا الدافع يأتي من معرفة الفوائد التي تعود علينا من اتباع السلوك الجديد.
نحن بحاجة إلى أن نجرب سلوكيات جديدة ونلاحظ التأثيرات التي تحدثها في حياتنا.
- التحلي بالصبر - وخصوصاً في المواقف العادية التي تجد نفسك فيها وتصيبك بالتوتر والقلق، ومنها على سبيل المثال: الوقوف في الطوابير، ورعاية الأطفال، والتعامل مع الآباء السنين، والاختناقات المرورية، والانتظار على الهاتف، وانتظار الحب.
اضافةتعليق
التعليقات