كانت قدماه عاجزة عن حمل جسده الصغير فالألم الذي استنزف قواه رويداً في غياهب المرض قد بنى بقلبه اشراقة أمل لحياة أخرى تنتظره في الجانب الآخر حيث أبى الاستسلام لقدره بعدما خسر قدميه بعمر السبعة سنوات فتخطى بالإرادة والايمان تلك المرحلة بإعجاز.
بريق من الأمل
سجاد رزاق الهلالي من مواليد 1997 من مدينة بابل العريقة افتقرت طفولته من متعة اللعب مع أقرانه ليختزل ذكريات لربما يسردها لأطفاله يوما ما فقد خط له المرض ذكريات تتأرجح بين ردهات المشافي فقد كان يعاني من التهاب في الأعصاب وانسدادات بالأوعية الدموية السفلى وبعد رحلة علاج طويلة انتهت بسفر ذويه خارج البلاد لخلاص روح صغيرهم من وطأة الألم ليعود إلى الديار على كرسي متحرك..
حدثنا قائلاً: لا أود الحديث عن طفولتي التي أصبحت حبيسة الكرسي إلا أنني كنت أنظر بقلب طفل بريء إلى الحياة لأنسج من بريق الأمل الذي اعتراني درعا من الارادة، ما زلت أذكر جدي حينما كان جالسا بمحاذاتي بعدما خرجت من ردهة الافاقة يرمقني بنظرات اختزلت دموعه ثم ناولني صندوقا صغيرا أدركت بأنه هدية ولأنني أحمل براءة الطفولة آنذاك تناسيت الألم وفقداني لقدمي وفرحت بهدية جدي التي كانت عبارة عن كاميرا للتصوير الفوتوغرافي.
مناسبات خاصة
عاد سجاد لممارسة حياته الطبيعية فلم يقف منكسرا حتى بعدما أصبح من ذوي الاحتياجات الخاصة التحق بالمدرسة غير أن مراحل العلاج بعد البتر كان لها تأثير كبير مما جعله يتغيب كثيرا ويترك مقعد الدراسة مرات عدة وصولا إلى المرحلة المتوسطة، كان عزاءه الوحيد في كاميرة جده حيث بدأ من خلالها توثيق المناسبات الخاصة لينطلق في عالم التصوير.
مشاركات إنسانية
وعن انطلاقه لتعلم فنون التصوير قال: لم أملك المؤهلات الفنية في عالم التصوير إلا أني قررت الاستمرار فالممارسة لها دور كبير في اتقان فنونه خصوصا بعدما ابتاع أبي كاميرة جديدة لي ذات مواصفات عالية، حيث التحقت بالمشاركة بتوثيق الاعمال الانسانية من خلال المؤسسات الخيرية والفرق التطوعية لعوائل الأطفال الأيتام خلال اصطحابهم للمتنزهات الترفيهية أو زيارة المراقد المقدسة.
وتابع قائلا: وبعدما اندلعت مظاهرات تشرين قررت المشاركة بها بنقل تقارير مصورة عنها فكانت كامرتي قلم آخر يكتب أحداثها بدقة متناهية ومن خلال حضوري المستمر إلى ساحة الاعتصام تعرفت على عدد كبير من المصورين الذين دعموني، حتى التقيت بالمصور(عباس السيد) ليكون تاريخ ثورة تشرين هو نفسه تاريخ بدأ صداقتنا حيث كرس وقتا كبيرا من أجل تدريبي لكل فنون التصوير وأساسياته ولا أنكر أنني واجهت صعوبة بالغة باختيار الزوايا المناسبة وغيرها إلا أنني استطعت أن أتقنه وقد كان صديقي عباس خير ملهم إذ شكل نقطة تحول كبير لي لأصل إلى ما أنا عليه الآن.
اهتمامات أخرى
كانت ابتسامة الأطفال أكثر ما يشد سجاد في توثيقها لربما لافتقاره إلى تلك الابتسامة الحقيقة الخالية من الأسى في طفولته، ليصب جل اهتماماته بقضايا الدفاع عن حقوق ذوي الاعاقة لإيلاء الجهات المعنية اهتماما أكثر بهذه الشريحة في تبني مواهبهم أو تسهيل دراستهم الاكاديمية.
هذا وقد سجل في أجندته الخاصة ثمانية أماكن استطاع زيارتها وتوثيق معالمها إلى الآن، وما زال يدون غيرها لتكون وجهته في قادمات الأيام.
وحول اختياره لعالم التصوير قال الهلالي: كانت وما زالت ممارستي للتصوير هواية فقط ولم أتقاضى أجرا على أي عمل قمت بتوثيقه وكثيرا ما أستذكر عبارة (أنقذ نفسك بالأشياء التي تحبها) ولأني أحب التصوير اخترته ليكون جزءا من حياتي لأتميز به فقد نقلت من خلاله كل معاناة هذه الشريحة وذلك بتوثيقي صور تنبض بالعبرة والقصص للعروض المسرحية التي جسدوها على خشبة المسرح أثناء الاحتفالات الخاصة باليوم العالمي لذوي الاعاقة.
وفيما يخص المعوقات التي تعرض لها في ممارسة هوايته استطرد قائلا: واجهة صعوبة في حضور بعض المناسبات الرسمية لكوني لا أملك صفة مصور من خلال بطاقة تعريفية (باج) وكانت للصدفة دور جمعتني بمدير الموقع الرسمي في ديوان محافظة بابل (حسام الحسيني) الذي حمل على عاتقه مسؤولية اصدار بطاقة تعريفية بصفة مصور لتسهيل مهمة تنقلي وبهذا أثبت للجميع أن سجاد صاحب إرادة وبأننا ذوي الهمم معجزة ولسنا عجزة كما يظن البعض.
مشاركات
شارك الهلالي بعدد كبير من صوره في معارض مختلفة خارج وداخل مدينته بابل كما افتتح معرضه الشخصي ليضم جميع أعماله والتي كانت تحمل بصمة خاصة ومعبرة لاختياره موضوعات تنقل الواقع بشكل عام فضلا عن مشاركته ضمن فريق تصوير(See photography team) والذي يجمعه بعدد كبير من ذوي الاختصاص.
طائرة الدرون
سجاد الذي فقد قدميه في طفولته ليكمل مشوار حياته بين كرسي أو عكاز أو أطراف صناعية بإرادة تحدت الاعاقة ختم حديثه متمنيًا أن لا يتم استبعاده عن توثيق المناسبات أو الفعاليات التي يحب المشاركة بها بسبب اعاقته وأن يجد له مكانًا يحتضن هوايته للعمل بها.
وآخر ما تمناه هو أن تحلق طائرة الدرون خاصته في سماء مدينة كربلاء وفوق ضريحي الامام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام) ليوثق بالتقاطاته أجمل الأجواء الروحانية في رحابهما المقدس ليسجل اسمه ضمن خدمة الامامين (عليهما السلام).
اضافةتعليق
التعليقات