تساؤل مشروع ينطوي على حكمة بالغة: كيف للبذرة أن تصدق أن هناك شجرة ضخمة مخبّأة داخلها؟!
ما تبحث عنه موجود بداخلك.. ليس بغريب أن يبحث الواحد منا عن مزايا عظيمة ينفرد بها دون الآخرين، وليس بمستغرب كذلك أن يتفرد بقوة الشخصية التي تؤهله للتأثير في الآخرين.
كاريزما الشخصية هي إحدى تلك المزايا المطلوبة، لربما تصادف في حياتك أشخاصا يتمتعون بكاريزما خاصة فتنبهر بهم وتعجب بأفعالهم، وما يبدونه من جمال المنطق وحسن الأداء، ولعلك تحدّث نفسك: كيف نالوا هذه المزية؟ وكيف استطاعوا الوصول إلى مرحلة التأثير في الآخرين بما يمتلكونه من كاريزما تخولهم لفعل ذلك؟
ماذا تعني كاريزما
تعرف الكاريزما بأنّها قوة الجاذبية الشخصيّة التي يمتلكها بعض الأفراد، وتجعلهم قادرين على التأثير في الأفراد وسحرهم ولفت انتباههم واكتساب إعجابهم.
لا يمكن للكاريزما أن تنمو في تربة غير خصبة وغير مؤهلة، فمن الصعب تواجدها مثلا مع شخص يعاني من انعدام الثقة أو يفتقر إلى الحزم في الأمور، أو تصطبغ مواقفه بالتردد والنرجسية.
فالكاريزما لا تأتي إلا بمعيّة قوة الشخصية، إلا أن البعض يتوهم بأن قوة الشخصية يُقصد منها أن يكون عنيدا وصلبا ولا يتزحزح عن مواقفه.. بينما قوة الشخصية لا تعني العناد والإصرار والثبات على الرأي إن كان خاطئا، فقوي الشخصية مرن في حواره ويغير رأيه إذا اتضح له الصواب.
متطلبات الكاريزما
١/ أن يتمتع بحضور ملفت طاغ.
٢/ يمتلك القدرة على التأثير في الآخرين بقوة المنطق والحوار.
٣/ القدرة على قيادة مجموعة من الناس .
٤/ أن يمتلك وجها بشوشا وقدرة للتعامل مع الآخرين بلطف وود.
إلا أن أفضل الصفات والمؤهلات هي الحضور القوي، فلا يمكن للكاريزما أن تُلتمس بلا حضور قوي لصاحبها.
فهل جرّبت يوما ما أن تجعل شخصا أمامك يشعر بأنه إنسان رائع فعلا؟
فالحضور القوي يشعر الطرف الآخر بعد انتهاء الحوار أنه شخص مهم ورأيه محترم، بل ويمنحه انطباعا أفضل عن نفسه.
والمطلب الآخر الذي لا يقل أهمية عن الأول هو اللين واظهار الود في التعامل مع الناس، ولعل من أبرز مصاديق هذا اللين هو رسول الله وخاتم الأنبياء نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله، ومن خلال اللين الذي اتصفت به شخصيته النبوية استطاع أن يمتلك تلك الكاريزما التي تؤهله لقيادة أمة كاملة، ولا زال تأثيرها قائما حتى الساعة.
يقول عز من قائل :
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ). *
ولقد أشير في هذه الآية إلى واحدة من المزايا الأخلاقية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ألا وهي اللين مع الناس والرحمة بهم.. وبهذه الصفة وأخواتها استطاع الرسول أن يمتلك قلوب أصحابه ويؤثر فيهم.. فكان بحق قائدا عظيما يسوس أتباعه بالرحمة واللين لا بالفظاظة والخشونة.. ولو كان غير ذلك لانفض الجميع من حوله ولفشلت كل جهود دعوته المباركة .
وأخيرا ما تبحث عنه هو في فطرتك وذاتك.. لا تذهب بعيدا ففي دواخلك تكمن عناصر الخير بشتى صنوفه، ما عليك سوى استنبات بذوره لتغدو فيما بعد أشجارا وارفة الظلال.. فهل أنت فاعل؟
__
اضافةتعليق
التعليقات