أن تكتُب، لا حُزناً ولا فرحاً، لا حُلماً ولا بؤساً، لا باحثاً عن صُحبةٍ ولا مُستغنياً، لن تكتب لأجل شيء سوى أن تُشفى، تكتُب لتبدأ رحلة من العلاج طويل الأمد، علاجٌ يتناسب طردياً مع مقدار ما أنت فيه ومع كم الخزين الداخلي الذي تراكم في ذاتك يوماً بعد يوم.
التداوي بالكلمات، قرأتُ مقالاتٍ لكُتاب كُثر، يتحدثون عن علاقتهم مع الكِتابة، لم يُبالغ أحدٌ منهم في وصفه لهذه العلاقة مهما حاول الإسهاب والتعمق في الوصف، كُلهم على حق؛ فهم من موقعهم ككُتاب يعرفون الدواء المناسب لأرواحهم ويفهمون ذلك النداء الكوني النابع من أعماقهم، ذاك النداء الخفي الذي يدعوهم لبدء رحلة العلاج هذه..
قبل ما يُقارب الشهر، حلَّ عليّ ذلك النور الإرشادي، أزهرت فكرةٌ في ذاتي، تعبّد طريقٌ أمامي، صوتٌ قال لي "أُكتُبي". أُكتُبي فحسب، ابدأي على ورقةٍ أو هاتف أو حاسوب، دعي أناملُكِ تلامس الحروف وانطلقي. لا تفكري كيف ستبدئين، ما هي أول كلمة في أول سطر، ما الأخطاء الإملائية والنحوية التي ستسهين عنها، أكتبي فحسب وكل شيء سيتحسن، لا تختنقي ولا تضجري ولا تذرفي دموعك، حوّلي كل شيء إلى حروف، اجمعيها وستجتمع أجزاء روحُكِ المُتعبة.
الكتابة هي وسيلة للاستمرار بالمشي بمحاذاة الموت والحياة، لن تنتمي لأيٍ منهما بشكلٍ تام، لن تتنفس ولن تختنق، ستسيرُ على خيطٍ رفيعٍ جداً، وقوعُكَ عنه مرتبِطٌ بضمةٍ وسكون.. خيطٌ يُبقيك في اتجاه واحد هو اتجاهك أنت.
تكتب لتشعر بك، بأنك لا تزال حياً، لا تزال تشعر وهذه المشاعر يمكنك تحويلها إلى كلمات، ستموت في الوقت الذي تُصبح فيه عاجزاً عن وصف ما تشعر به، لا جهل أعظم من جهل المرء بنفسه، حين لا يعرف أين هو من الحياة، ماذا يفعل هنا، وهل نبضُ قلبه يُسري فيه الحياة، أم يُبقيه على قيدها مُجبراً مُكبلاً بالضياع؟ في الأوقات التي أشتاق لنفسي بها، أعود لأكتب، لم أكن صادقة أبدا كما أنا أمام الكلمات، كذبتُ في كل شيء، كذبت في حديثٍ وفعل، لكن لم يحصل أبداً أن خلوت بمُعجم لُغتي وشرعتُ بالكذب، كل ما أبوح به يكونُ ناصعاً، يخرجُ مُلغزاً ومحتاراً، لكنه دون شوائب.
اضافةتعليق
التعليقات