هناك أشخاص لديهم الخوف من المستقبل والتخطيط له وإدراك لخطر محدق يتهدده، ووظيفة إعداد الفرد لمقابلة هذا الخطر بالقضاء عليه أو تجنبه أو اتباعه أساليب تحد من احتمالية الوصول لنتائج سيئة.
تعريف ذلك النوع من رهاب المستقبل وقد يسميه البعض التخطيط المسبق والحرص قبل الوصول لنتائج سيئة. وهو يختلف عن القلق. أي أن القلق والخوف من المستقبل يظهر عند وجود تهديد غير معروف للأنا، وهو ما يجعل المعاناة منه أكثر بكثير من القلق العادي؛ لصعوبة تحديد مصدره.
تختلف أسباب الخوف من المستقبل من شخص لآخر، ويعتقد معظم الخبراء أن حدثًا مرهقًا للغاية أو مؤلمًا، أو نتيجة الشعور بالقلق الشديد أو الاكتئاب، نتيجة فقدان العمل، أو وفاة أحد الأحباب أو الطلاق أو فشل مشروع ما. أو الخوف ألا مبرر على الأولاد وأسباب كثيرة يمكن أن تؤدي إلى ظهور أعراض رهاب المستقبل. وكما هو معروف للجميع القلق هو جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية، لكن إلى أي مدى تعد هذه المشاعر سيئة؟ الإجابة عن هذا السؤال ظلت محل جدل بين مختلف الأشخاص والمهن، بمن في ذلك علماء الأعصاب، وعلماء الأحياء التطورية، وحتى الأشخاص الذين يمارسون التأمل.
الإنسان بطبيعته مخلوق ضعيف، والله سبحانه يقول لنا ذلك بصراحة في كتابه الكريم: "إن الإنسان خُلِق هلوعا. إذا مسّه الشر جزوعا. وإذا مسه الخير منوعا.. إلا المصلين". يتيقن تمام الإيقان أنه مخلوق ضعيف بغير الله. وهو قوي بل هو كل شيء إذا كان في معية الله.. أضف إلى ذلك أن القلق أيضا مصاحب للإنسان بجانب الضعف في أصل خلقته.. وأن الله أدرى بخلقه.
فإن الإنسان إذا شعر بالاستغناء طغى وبغى في الأرض بغير الحق وتكبر وتجبّر وأهلك الحرث والنسل، كيف لا وقد قال الله تعالى: "كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى". إلا أنه ينبغي أن يكون هناك حدا أدنى للقلق والخوف من المجهول ينبغي ألا تنزل عنه وإلا أُصبت بالبرود القاتل.. كالذي لا يأبه لمستقبله وأولاده وبيته.. ويقضي وقته في النوم والسهر، واللعب والهزل، ويترك زوجته تتحمل المسؤولية وحدها، هذا إنسان قتله البرود، فلم يعد يشعر بخوف أو قلق يدفعه إلى العمل والإنتاج.
وهناك أيضا حدٌّ أعلى للقلق والخوف من المستقبل ينبغي ألا تتجاوزه لأن تجاوزه يعني أنك حتما ستصاب بالاكتئاب والإحباط والوسواس القهري الذي ينتهي بك في آخر المطاف إلى العجز.. ولك أن تعلم ياعزيزي القارئ أن معظم الأمراض النفسية مردُّها في الأساس إلى الخوف من المجهول والقلق من المستقبل، والتعامل مع عالم الغيب بفهمنا القاصر اعتمادا على بعض المعطيات الذهنية المشوّشة والمشوّهة بمعزل عن منهج الله وهديه.
وإن القلق والخوف إذا سيطر على الإنسان أفقدَهُ السيطرة على ذاته فكرا وقرارا، وأصبح خائر القُوَى، ضعيف البنية، لا ينتج عملا ذا بال.. وصار عبئا على أسرته ومجتمعه. ولا خلاص من ذلك إلا بالالتجاء إلى هدي الله والارتماء في أحضان معيّته.
وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وآله بأن تأمين المستقبل للأولاد في الدنيا والآخرة لا يكون إلا من خلال طريق واحد، ألا وهو طريق الصلاح والتقوى وحسن الصلة به سبحانه وتعالى. فالخوف والقلق غير المبرر قد يخلق مشاكل للأبوين هما في غنى عنها، فالدخول في حمى الله ومعيته، والاستمتاع بمقتضيات تلك الحماية من سكينة وطمأنينة وراحة البال، وعدم الخوف من المستقبل أو حزن على ماض.
فإن الله يتكفل بجميع مصالحه في الدنيا والآخرة، ومن أراد أن يتولاه الله في حفظه ورعايته في أموره كلها فليرع حقوق الله وحقوق الناس عليه، ومن أراد ألا يصيبه شيء مما يكره فلا يأتي شيئا مما يكرهه الله منه، واعلم أن السير في طريق الله هو الوحيد الذي يحصل صاحبه على الثمار العاجلة في الدنيا قبل الآخرة، وهي الوسيلة الوحيدة لتحصل السعادة بمعناها الحقيقي، وسكينة النفس وراحة البال والرضا والطمأنينة.
فأولياء الله لا يخافون إذا ما خاف الناس، ولا يحزنون إذا ما حزنوا، فلماذا إذن الخوف من المستقبل ما دمت في معية الله وفي حماية ملك الملوك، ألم تقرأ قول الله تعالى: «ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا يحزنون». أما الذي هو بعيد عن طريق الله تعالى فيشعر كأنه مثل اليتيم في هذا الكون ليس له صلة بمالك الملك ومدبر الأمر، فمن ينصره بعد الله؟، فتجده مشتت الفكر حتى لو كانت حياته مستقرة وتخلو من المشاكل فقلبه رافض الطمأنينة فلا توجد راحة نفسية إلا بالقرب من الله والتوكل عليه في جميع الأمور.
ثم تدريب العقل على الأمور الإيجابية وممارسة الوعي التام وعدم الخوف من المستقبل والقادم والإنتباه للمشاعر والأحاسيس التي تشعر بها، ولا تقارن حياتك بحياة الآخرين، والإبتعاد عن الناس المتشائمين كفيلة بتغير حياتك نحو الأفضل. وأيضا التفكير في الحاضر له مردود إيجابي فله الأولوية، دوّن مذكراتك فالكتابة افراز التوتر على الورق وهي وسيلة للبوح ماتستطيع قوله للآخرين، ممارسة الرياضة أيضاً لها تأثير في تغير الأفكار، النشاط البدني يُحسّن من وظائف الجسم والدماغ، ومع ذلك، لا يدرك الكثيرون دور ممارسة التمارين الرياضية في علاج القلق، الخروج في نزهة مع العائلة أو مع الأصدقاء له آثار كبيرة في الحد من القلق والتوتر.
وفي النهاية يجب أن تعلم، القلق ليس سيئاً دائما، قد تكون مشاعر الخوف والشعور ببعض القلق حافزا يدفعنا للتطور ويقودنا إلى انجاز أعمالنا بطريقة أفضل، ودون ذلك الحافز، لن يكون لنا دافع كبير للعمل من أجل كسب لقمة العيش، أو التخطيط المسبق لنجاح الأعمال.
اضافةتعليق
التعليقات