كلنا نعاني من التوتر لسبب او لآخر في حياتنا اليومية، وهذا الشعور الذي ينتابنا، هو شعور طبيعي، بل هو وظيفة من الوظائف الأساسية للحياة..
تماما كما نشعر بالجوع او العطش فنأكل لنشبع او نشرب لنرتوي، انه رد فعل صحي يتولد داخل نفوسنا عندما نواجه خطرا يهدد سلامتنا ورفاهيتنا وسعادتنا..
ومن اجل ذلك، لا يجب ان يكون احساسنا بالتوتر مدعاة لقلقنا، رغم ما يتركه هذا الاحساس من اثر على تصرفاتنا ومسلكنا ازاء الاخرين.. وانما يكون القلق اذا عاودنا التوتر على فترات متقاربة، واذا هزنا هذا الاحساس وقلب كياننا، ثم اذا فشلنا تماما في التخلص منه او التخفيف من اثره.
كيف نعرف انفسنا
ويبقى السؤال، كيف نكشف انفسنا، كيف نعرف اننا نعاني من التوتر بهذا القدر الذي يثير اهتمامنا.
يقول علماء النفس انه من السهولة بأمكان ان يتعرف المرء على مدى حدة التوتر الذي يعاني منه في حياته اليومية، لو انه امعن النظر في تصرفاته وفي طريقة تفكيره، وموقفه من الاخرين..
لو استطاع المرء الاجابة على بعض الاسئلة اذا سألها لنفسه، شرط ان تكون الاجابة بعد تروّي وامعان، وان تكون الاجابة امينة نضعها وحدنا او بالتعاون مع هؤلاء الذين يشاركوننا حياتنا في عملنا، او في بيوتنا، فكثيرا مايعجز الانسان عن رؤية نفسه.
اولها هل نرتبك اذا صادفتنا مشكلة صغيرة او احسسنا بخيبة امل لاننا لم نحقق امرا كنا نصبوا اليه؟
هل نجد صعوبة في التفاهم مع الناس وهل يجد الناس بدورهم صعوبة في التفاهم معنا؟
هناك اشياء صغيرة تمر بنا في حياتنا اليومية، ولكنها، رغم صغرها وبساطتها، تثير في نفوسنا ارتياحا وسعادة، كأبتسامة طفل مثلا، عندما يلقانا عند عودتنا الى البيت من العمل، اوطبق الطعام المفضل، الذي وجدناه يتوسط مأدبة الغداء.. فهل تفشل مثل هذه الاشياء في اثارة اهتمامنا واسعادنا؟
هل نعجز احيانا عن التفكير فيما يساورنا من قلق دون ان ندري سببا واضحا له؟
هل نشك في اصدقائنا وفي نواياهم تجاهنا؟
هل نعمد الى تعاطي الحبوب المهدئة للاعصاب والاقراص المنومة؟
ليست بكارثة... ولكن
يقول العلماء انه اذا كانت الاجابة بنعم على معظم هذه الاسئلة، فصاحبها يعاني قدرا كبيرا من التوتر، رجلا كان ام مرأة.. ولكنهم يؤكدون بعد ذلك انه ليس معنى هذا ان كارثة توشك ان تحل بهم وانما معناه ان الحالة تتطلب علاجا سريعا..
فقد شرع العلماء الى كل رجل او امرأة تشعر بالتوتر ولكل شاب وفتاة يسعون للتخلص من هذا الاحساس الذي يدفع بصاحبه الى هاوية سحيقة من الاوهام والتخيلات، ثم الى عيادات الاطباء النفسانيين في نهاية المطاف.
اناء يغلي بالغضب
اذا احسسنا بأن هناك امرا يقلقنا، وادركنا ماهية هذا الامر، فلا يجب ان نكتمه في صدورنا، لاننا بذلك نكون اشبه بوعاء ملأناه بالماء واحكمنا اغلاقه، ثم وضعناه فوق نار ليغلي.. فهو لايلبث ان ينفجر ويصيب كل من حوله.
لابد اذن ان نبوح بهذا الذي يقتلنا لشخص ما، نرتاح اليه ونثق في نصحه وارشاده، فالافضاء بأسباب القلق، يعرضها للضوء..
وكثيرا ما يساعد اخراجها على ايجاد حل لتلك المشاكل والعقبات التي اثارت في نفوسنا هذا الشعور.. ومجرد شعورنا بأننا لا نقف وحدنا يبعث في نفوسنا الراحة والطمأنينة!
الهرب من المشكلة
ان العيش في المشكلة يضاعف من اثرها، ولهذا ينصح العلماء بالهرب منها، فاذا استطاع المرء ان يغرق نفسه وتفكيره في شيء اخر لا يمت الى مشكلته بصلة، فبهذا ينجح من تخفيف اثر الازمة التي يمر بها او المشكلة التي تواجهه..
وقد يكون في الابتعاد عن مسرح الازمة ايضا، بعض الاثر في التخيف منها، وهي في الخروج الى مكان معين تحبه يمكن ان يغير من نظرتنا الى مشكلتنا، وتعاوننا على التفكير بطريقة سلمية، وتساعدنا في النهاية في التغلب على العقبات التي تعترض طريقنا بعد ان نكون قد استرحنا ذهنيا وعاطفيا..
اما الوقوف في اماكننا بلا حراك، فهو اشبه ما يكون بعقاب للنفس، اخترناه بايدينا..
تجنب الغضب
الغضب هو اسوء السبل التي يمكن ان نطرقها للتنفيس عما يعتمل في صدورنا من ضيق وقلق.. لهذا يجدر بنا ان نتريث ونفكر مرتين قبل ان نطلق العنان لثورتنا وليس معنى هذا ان نكتم غضبنا، فكتمان الثورة ومنع خروجها الى السفح، يضر بنا ويؤثر على حالتنا الصحية والنفسية، ولكن معناه ان نهدء منها بقدر ما بحيث لا يشكل انفعالنا خطرا على من يحيطون بنا، وما يترتب على ذلك من شعورنا بالاسف والندم بعد ان نهدأ ونعود الى حالتنا الطبيعية..
وهناك عدة وسائل لكبح جماح غضبنا واحتوائه، كأن نترك المكان الذي اخترناه مسرحا للتنفيس عن ثورتنا، ونبتعد عن الاشخاص الذين اعددنا العدة لان نجعل منهم ضحية لغضبنا..
فنخرج من المكان او نتذكر دائما ان العمر اقصر من ان نضيعه في الهياج والعراك.
الخطأ والصواب
لابد لنا ان نضع اعصابنا في ثلاجة في مواجهة التحديات..
حتى لو كنا نؤمن بأننا على حق، لايجب ان نجاهر برأينا في تحدي واصرار..
لابد ان نفسح المجال لغيرنا لكي يبدي رأيه بنفس الحرية التي اردنا لانفسنا.. فقد تكون على خطأ رغم اقتناعنا بصحة ما نراه..
وليس هذا استسلاما.. فهناك فرق واضح بين الهدوء والخنوع .. والحجة القوية تفرض نفسها دائما في اية مناقشة.. بهذا وحده نستطيع ان ننتزع احترام الناس لنا،
ونستطيع ان نجمع حولنا اكبر عدد من المؤيديين والاصدقاء.
الفرد.. والمجتمع
كثيرا ما نكتشف اننا نعيش لانفسنا فقط.. وهذا اسوأ موقف يمكن ان يفقهه انسان في الحياة، فالمجتمع قائم على التعاون.. ولا حياة بغير اخذ وعطاء.. المهم ان يعطي المرء بقدر ما يأخذ..
وهذا الاكتشاف الذي قد يتوصل اليه البعض منا، في بعض الاحيان، يؤدي بنا الى الشعور في العزلة وبالتالي الى ازدياد حد التوتر، عندما يجد المرء نفسه وحيدا وسط هذا العالم المغلق الذي اختاره لنفسه.. ولاسبيل للتخلص من هذه الحالة، الا بالخروج والاختلاط بالناس، ومساعدة المحتاجين منهم على قدر ما تسمح به قدراتنا وامكانياتنا.
العمل.. والتوتر
العمل في الكثير من الاحيان قد يكون سببا في شعورنا بالتوتر، وخاصةً اذا كان عملا ذهنيا يتطلب قدرا كبيرا من الدراسة والبحث والتفكير، فإذا تراكمت علينا اعمالنا، احسسنا بالارتباك، ووقفنا امامها حيارى لاندري من اين نبدأ وكيف ننتهي!.
والسبيل الى التغلب على هذا الشعور، هو ان نحاول ان ننسى او نتناسى، حجم هذا العمل الكبير المطلوب منا انجازه، وان نشرع في تأدية اعمالنا بتأني وفي هدوء تام،
فنفرغ من اعداد الاهم، ثم المهم.. وهكذا، دون ان نعبأ بملاحقة احد لنا فما دمنا نعمل، ونحرص على ان نستغل كل دقيقة من وقتنا في عملنا، فلا بد ان يواصلون الى النهاية، ولا يكلف الله نفسا الا وسعها.
طموح الحياة
الشعور في بعض الاحيان بأننا لم نحقق ما كنا نصبوا اليه من نجاح في حياتنا العملية يثير القلق في نفوسنا، ويدفعنا الى محاولة الاجادة في كل عمل نقوم به،
وهذه المحاولات اليائسة، هي اولى خطوات الفشل..
فلا نجد انسان يستطيع ان يجيد كل الاعمال!
واول شيء يتحتم علينا ان نفعله، هو ان نبحث عن العمل الذي نجيده، فإذا وجدناه ركزنا كل طاقاتنا وخبراتنا وجهدنا في سبيل ايجادته وتجويده، وبهذا نحقق الشعور بالارتياح الذي ننشده ونسعى اليه.
اننا نعيش في عصر يجري فيه الناس وكأنه سباق مع الزمن.. وكثيرا منا يعملون وينسون انفسهم في غمرة الحياة وزحمة العمل..
من اجل هذا يجدر بنا ان نتوقف وان نتذكر ان لابد اننا على انفسنا حقا..
ونحن لكي نستطيع ان نستمر في اعمالنا، فلا بد لنا ان نستريح..
ونحن لكي نستريح فلا بد لنا ان نبتعد عن جو العمل ومن فيه..
يجب ان نستغل كل وقت الفراغ في العطل في الترويح عن نفوسنا، وراحة اجسامنا وعقولنا.
المصدر: مجلة العربي، بتصرف
اضافةتعليق
التعليقات