قاسية تلك الدموع التي تسقط على الورد فتذبله، وتجعله يذرف الدمع بدل الندى،
وقاسي ذلك القلب الذي يتفطر ويتقطع، ويتناثر كالورد الحزين على قارعة طريق الحب، قاسية تلك اللحظات المليئة بالكُره بعدما كانت مليئة بالحب، قاسية تلك الدموع الحارقة التي تذرفها على وسادتك في جوف الليل المعتم والكل يظن أنك نائم لكن أنت تقاسي آلاما عميقة.. تخشى أن يسمع أحدا أنين هذه الدموع الجريحة.
الذي يراها في تلك الليالي حيث كانت تحلق في فضاء بعيد وطائر السعد يخيم وسط قلبها، كان شريط حياتها يعرض أمامها، كانت ترى ثغرات هذا الشريط، مرت خمس سنوات على تلك العلاقة التي أوشكت على تدمير حياتها فبعد حب صادق وهبته له ومشاعر طيبة تجاهه، وفي آخر سنة من الجامعة كانت تنتظر كلمات ككلمات الروايات التي لطالما قد عاشت فيهن وكانت تراه بطل روايتها الذي سيأتي يوما ويقف بين الجميع ويجلس على ركبتيه وينحني مقدما لها خاتم من الألماس حتى يلمع في يديها، لكنها تفاجأت بالصاعقة الكبرى حيث قال لها في ذلك اليوم الأخير من السنة الدراسية الأخيرة وهي متحمسة لتسمع كلماته العذبة والتي تحمل بين طياتها مشاعر حب كانت تظن أنها صادقة حيث قال:
لا أستطيع الزواج بك فأبي اتفق مع عمي حتى أتزوج من ابنته وأنا لا أستطيع مخالفة أوامر أبي.
كانت هذه الكلمات بمثابة ألف طعنة وألف خنجر في قلبها الحساس كيف هذا فبعد أربع سنوات من الحب صعقها بتلك الكلمات الحادة كانت كل آمالها معه وهاهي تضع تلك الآمال بين يديها لتجدها رمادا فيطير هذا الرماد بعيدا ليلون أيامها القادمة بلونه الأسود.
لم تكن على علم ودراية بخطورة العلاقة وحرمتها لطالما نشأت في أسرة لا تجد لها ناصحا ولا مرشدا والدها الذي كل همه تجارته وسفره وأمها التي طالما كانت مشغولة بصديقاتها وحفلاتها وأخواتها الاثنتان كل منهما في حال سبيلها وحياتها.
كانت هي حقل التجارب الذي تتعلم منه للسير في حياتها، كان ذلك اليوم هو انعكاس لمرآة أيامها التي قضتها في علاقة زائفة ولكن هل فات الأوان؟
كانت هذه العبارة تتردد في عقلها هل يمكن إصلاح ما كسر؟
هل أستطيع أن أتخلص من هذه العلاقة؟
ولكن هل ما فعلته كان خطأ؟
وما بين الأفكار التي كانت تجري في عروقها كانت حسرتها على حظها العاثر وألمها على حياتها، سمعت تلك الكلمات التي كانت بمثابة الماء الذي يسكب على أحد في نوم عميق فيتفاجأ به ويستيقظ من غفلته.
كانت في البيت وحدها ذلك اليوم لم تكن تدري ما تفعله كاد التفكير أن يتفجر من رأسها، صداع مؤلم في رأسها وقلبها.. هل هذه ضريبة كل علاقة؟
أنهت علبة كاملة من القهوة ذلك اليوم لم تكن تدرك ما تفعل أرادت أن تفعل كل ما بوسعها لتوقف التفكير، فتحت جهاز التلفاز كانت تجلس أمام التلفاز وتقلب في المحطات فوقفت عند إحداهن فجذبها الموضوع حيث كان يظهر على الشاشة لقاء مع أحد الدكاترة في علم النفس وكان محور الموضوع:
"آثار العلاقات على الطرفين" وقال الدكتور الآتي:
ان الله تعالى جعل الزواج والحب رابط مقدس لكن مع الأسف البعض شوه هذه الصورة كما شوهت أكثر القيم والمبادئ في الإسلام فاليوم بات الجميع ينظر إلى الدين بصورة مظلمة حيث يجده يأمر بعدم إقامة العلاقات ويدعون أن الدين يحرم الناس من الحب والسعادة، لكن في الحقيقة الاسلام يركز على مفاهيم تربوية وأخلاقية فعندما يقوم كلا الطرفين بمثل هذه العلاقات المحرمة سيفقدوا حيائهم وفقدان الحياء يسبب أخطار كبيرة في هذا الجانب.
الجانب الآخر الآثار السلبية التي تسببها هذه العلاقات لكلا الطرفين ومن أهم هذه الآثار:
البعد عن الله تعالى: حيث نجد أغلب مقيمي العلاقات بعيدين عن الله ولا يهتمون لأداء الصلوات وحتى وإن أدوها تشغلهم كلمات الحب الزائف فتضلهم عن التركيز حتى في صلواتهم إضافة لحرمتها حيث قال الرسول (صلى الله عليه وآله) (النظرة سهم من سهام إبليس) الناس تنظر إلى الحب فقط من الجانب الذي تريده هي ولا تنظر إلى جوانبه العديدة الأخرى..
فالحب ليس بين اثنين، بل هو حب الله أولا، وحب نبيه والأئمة من بعده
حب الوالدين، حب الأبناء، حب الأصدقاء، حب الناس، حب المجتمع، حب الوطن، حب النجاح، حب التفوق، حب العمل، حب هوايتك..
كل هذه يمكن لها أن توصلنا إلى السعادة ونجد فيها الحب، إذن لماذا نقرن السعادة بحب بين اثنين لما لا نقرن السعادة بالنجاح لم لا نقرنها بحب الدين والسعي إلى معرفته.
الله تعالى خلق الحب فينا لأننا بشر ولنجعل هذا الحب فالحب والزواج رابط مقدس وليس كما يظنه البعض، يجب أن تضع مشاعرك وحبك في المكان الصحيح لا أن تهدر بمشاعرك لكن من هب ودب..
كان تستمع إلى كلامه ودموعها تنهمر من عينيها ليتها فهمت معنى السعادة والحب، ليتها كانت تدرك هذه الأمور، قررت منذ ذالك اليوم أن تكون على حذر كبير في حياتها وعلاقتها وكلامها مع الناس وخاصة بعدما عرفت حرمة العلاقات ولا تقع بشباك أحد أبدا.
قررت أن تتجه إلى ربها وتفتح قلبها له وتبث شكواها إليه، فكم كانت تلك الليالي قاسية، ليالي مليئة بالدموع كانت طوال الليل لا تستطيع النوم بسبب غزارة الدموع التي تنزل من عينيها، كان كل ما يؤسفها أنها بقيت منخدعة طوال الأربع سنوات في جامعتها والأصعب كلماته الطاعنة، كانت تضع كل هذا في كف وكل ما كانت تفعله في كف آخر حيث أدركت حرمة العلاقات حينما سمعت الدكتور يتلو قوله تعالى: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ).
جلست في محراب صلاتها في ثلث الليل الأخير، تمسك بالقرآن وتضمه إلى صدرها وتكرر "يارب" كثيرا، كانت تسجد طالبة من الله العفو والتوبة كانت تحلق في مناجاة التائبين، كل كلمة من هذه المناجاة تلامس شغاف قلبها الرقيق (فَاِنْ طَرَدْتَني مِنْ بابِكَ فَبِمَنْ اَلُوذُ، وَاِنْ رَدَدْتَني عَنْ جَنابِكَ فَبِمَنْ اَعُوذُ، فَوا اَسَفاهُ مِنْ خَجْلَتي وَافْتِضاحي، وَوا لَهْفاهُ مِنْ سُوءِ عَمَلي وَاجْتِراحي........).
ابتسمت وهي تتذكر أحداثا قبل سبع سنوات كيف هي اذنبت وربها غفر لها، كيف هي عصت وربها تاب عليها، كيف هي كانت جاحدة وكيف أدخلها ربها في رحاب عطفه ورحمته.
رغم مرارة ما مرت به من وجع والآلام لكنها وجدت حلاوة حبها لله علمها معنى الحب الحقيقي فقد ذاقت معنى الحب ووجدته أنه يلامس الوجدان والروح حيث وجدت أعظم حب في هذا الكون وهو حب الله.
وهاهي اليوم تستعد لكي تحلق في فردوس الحب الإلهي.. ها هي اليوم تستعد للركوب في الطائرة من أجل الذهاب إلى مسابقة "حفظ القران" فبعد أن فازت في كل المراحل أصبح عليها أن تشارك على المستوى الدولي.
كانت تجد نسمات عذبة تهب على قلبها، ابتسمت وهي تراجع صفحات القرآن بعد أن جلست في مقعدها بالطائرة فوقعت عيناها على الآية الكريمة (توكل على الله وكفى بالله وكيلا) ابتسمت وقد دمعت عيناها قبّلت القرآن الكريم ووضعته في حقيبتها انتبهت لوجود ورقة وقلم في حقيبتها اخرجتهما وكتبت:
(يا فتاتي.. لا تنخدعي بكلمات الحب الزائفة.. واحذري من نظرة يزينها لكِ الشيطان
لتعلمي أن وراء كل ابتسامة زائفة.. ألف دمعة، اعلمي أن قلب الفتاة المؤمنة..
كالمرآة الصافية النقية لذا إن كنت حقا صادقة في حبك وولائك لدينك وربك
ابتعدي عن كل سبيل يرشده الشيطان لكِ.. واقطعي كل السبل التي من الممكن لها أن تقودك إلى المعصية..
ولتعلمي أن طريق الحق واضح ولن يكون باطل أبدا وطريق الباطل لن يكون حق أبدا كوني مؤمنة وللقرآن حافظة ولرب السماء ساجدة شاكرة).
ثم نظرت إلى النافذة وابتسمت ابتسامة رضا، ابتسامة حب، ابتسامة أمل وطمأنينة،
ابتسامة انسانة مؤمنة.
اضافةتعليق
التعليقات