إن الأطفال المصابين بالتوحد يمتلكون قدرة التعرُّف على تعبيرات الوجه الإيجابية والسلبية بدرجة أكبر مما كان يُعتقد من قبل.
يُعرّف مرض التوحّد (بالإنجليزية: Autism) على أنّه إعاقة في النموّ تؤثّر في تصرّفات الفرد، وتواصله مع الآخرين، وتفاعله معهم، ممّا يجعله غير مدركٍ لما يجري حوله، وتضعف استجابته للمشاهد والأصوات من حوله، ولا يستطيع الانسجام مع الآخرين وتكوين العلاقات، ممّا يجعله مختلفاً عن الأصحّاء من حوله من نفس العمر، وتجدر الإشارة إلى أنّ خمسين بالمئة من الآباء يُلاحظون إصابة أطفالهم بالتوحّد على عمر اثني عشر شهر، و80-90% من الآباء يُلاحظون إصابة أطفالهم عند إكمالهم العام الثاني، ويُعدّ الذكور أكثر عرضة للإصابة بالتوحّد؛ إذ يُصيب التوحد واحداً من بين كل 42 طفل ذكر، بينما تُصاب واحدةٌ من بين كل 189 طفلةٍ أنثى بالتوحّد.
طيف التوحد
يشير مصطلح "اضطرابات طيف التوحد" إلى مجموعة من الاضطرابات المعقدة في النمو العصبي بالدماغ. ويتناول هذا المصطلح الشامل حالاتٍ من قبيل مرض التوحد واضطرابات التفكك في مرحلة الطفولة ومتلازمة آسبرغر، وتتميز هذه الاضطرابات ببعض السمات السلوكية، كمواجهة الفرد لصعوبات في التفاعل مع المجتمع والتواصل معه، وضعف المهارات اللغوية، وضيق نطاق أوجه الاهتمامات والأنشطة لديه.
وتظهر اضطرابات طيف التوحد في مرحلة الطفولة، ولكنها تميل إلى الاستمرار في فترة المراهقة وسن البلوغ. وفي معظم الحالات تظهر هذه السمات في أول خمس سنوات من العمر. وتندرج هذه الاضطرابات حاليًّا في فئة اضطرابات النمو المتفشية ضمن فئة أعم هي الاضطرابات النفسية والسلوكية في التصنيف الإحصائي الدولي للأمراض والمشكلات المتعلقة بالصحة.
وتظهر بعض علامات اضطراب طيف التوحد على الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة، مثل قلة الاتصال بالعين، أو عدم الاستجابة للمناداة بالاسم، أو عدم الاكتراث لمقدمي الرعاية. قد ينمو أطفال آخرون بشكل طبيعي خلال الأشهر أو السنوات القليلة الأولى من العمر، لكنهم يصبحون فجأةً انطوائيين أو عدوانين أو يفقدون المهارات اللغوية التي قد اكتسبوها بالفعل. ومن الصعب تحديد اضطرابات طيف التوحد لدى الطفل قبل بلوغه سن 12 شهرًا، ولكن يمكن تشخيصها بصورة عامة عند بلوغه سن عامين، ومن السمات المميزة لظهور المرض لديه التأخر أو التراجع المؤقت في تطوُّر مهاراته اللغوية والاجتماعية، وتكرار القوالب النمطية في سلوكياته.
ويعاني الأشخاص المصابون باضطرابات طيف التوحد في الغالب اعتلالاتٍ أخرى مصاحبة، تشمل الصرع والاكتئاب والقلق واضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط.
كما أن مستوى الأداء الذهني لدى المصابين باضطرابات طيف التوحد متغيّر جدًّا، وهو يتراوح بين قصور شديد وآخر طاغٍ في مهارات المريض المعرفية غير اللفظية. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 50% من المصابين بالاضطرابات المذكورة يعانون أيضًا من إعاقات ذهنية.
ويعاني بعض الأطفال الذين يعانون اضطراب طيف التوحد صعوبةً في التعلم، وبعضهم لديه علامات أقل من الذكاء المعتاد. يتراوح معدل ذكاء الأطفال الآخرون الذين يعانون هذا الاضطراب من طبيعي إلى مرتفع، إذ إنهم يتعلمون بسرعة، إلا أن لديهم مشكلة في التواصل وتطبيق ما يعرفونه في الحياة اليومية والتكيف مع المواقف الاجتماعية. ومن المهم التدخل في مرحلة الطفولة المبكرة لتعزيز نمو الأطفال المصابين باضطرابات طيف التوحد وعافيتهم على أمثل وجه.
ويوصى برصد نمو الطفل في إطار الرعاية الروتينية لصحة الأم والطفل، ومن الصعب تحديد اضطرابات طيف التوحد لدى الطفل قبل بلوغه سن 12 شهراً، ولكن يمكن تشخيصها بصورة عامة عند بلوغه سن عامين، ومن السمات المميزة لظهور المرض لديه التأخر أو التراجع المؤقت في تطوير مهاراته اللغوية والاجتماعية وتكرار القوالب النمطية في سلوكياته.
بعد التعرُّف على اضطراب طيف التوحد لدى الأطفال، من المهم أن تتاح لهؤلاء الأطفال وأسرهم المعلومات التوجيهية والخدمات والفرص لإحالتهم إلى المرافق المختصة، ويوفر لهم الدعم العملي وفق احتياجاتهم الفردية.
وتتسم احتياجات المصابين باضطرابات طيف التوحد في مجال الرعاية الصحية بتعقيدها، وتستلزم مجموعةً من الخدمات المتكاملة، تشمل تعزيز الصحة والرعاية وخدمات إعادة التأهيل، والتعاون مع قطاعات أخرى، مثل قطاعات التعليم والعمل والرعاية الاجتماعية، ومن الضروري أن تكون التدخلات التي تستهدف المصابين باضطرابات طيف التوحد وغيرها من اضطرابات النمو مصحوبةً بإجراءات أوسع نطاقًا ترمي إلى جعل البيئات أيسر منالًا وأكثر شمولًا ودعمًا من الناحية المادية والاجتماعية والسلوكية.
أسباب طيف التوحد
تشير الدراسات العلمية إلى أن عوامل عديدة وراثية وبيئية على حدٍّ سواء تُسهم في ظهور اضطرابات طيف التوحد عبر التأثير في نمو الدماغ بوقت مبكر.
تُعد الأسس الوراثية للتوحد شديدة التعقيد، جرى تحديد المئات من التحولات الوراثية المرتبطة بالمرض، والتي من بينها تكرُّر الكروموسومات، أو فقدها للنكليوتيدات، أو تغيُّر ترتيب الجينات بها. وقد ظهر أن بعض تلك التحولات جاء عن طريق الوراثة، إلا أنها أحيانًا ما تبرز تلقائيًّا في البويضات، أو الحيوانات المنوية.
وتتسم تلك التحولات في معظمها بأنها نادرة للغاية، أو فريدة من نوعها. وحتى الآن، لا تمثل التحولات الوراثية المعروفة سوى واحد في المئة من حالات التوحد، وبالتالي يصعب التعرُّف على التحولات المرتبطة بالتوحد، رغم قدرتها على مَنْح فَهْم أكبر للمرض؛ إذ تتطلب تلك التحولات فحص أعداد كبيرة من الأفراد.
التواصل الحسي
بنظرة واحدة إلى الوجه، يمكنك ببساطة أن تقرأ المشاعر الإنسانية للآخرين، فما يشعرون به يظهر بوضوح على وجوههم، من تعبيرات الفرح إلى الحزن وحتى الخوف والغضب، وتُعَد هذه العملية نقطةً محوريةً في تعاملاتنا مع الآخرين، خاصةً خلال المحادثات المباشرة.
لكن في المقابل، فإن التعرُّف على مشاعر الآخرين لدى الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد يشكل تحديًا خاصًّا؛ إذ يفتقرون إلى هذه المَلَكة، خاصةً مع الغرباء، فهم يعانون عادةً من صعوبة في التعرُّف على الإشارات غير اللفظية، مثل تفسير تعبيرات الوجه للأشخاص، أو وضعية أجزاء الجسم أو نبرة الصوت ولهجته، ما يعوق تفاعلاتهم الاجتماعية، ويقودهم إلى قلّة الاهتمام بالحديث مع الآخرين أو التواصل البصري معهم.
لكن فريقًا بحثيًّا من جامعة فلوريدا أتلانتيك الأمريكية، كشف أن الأطفال المصابين بالتوحد يمتلكون قدرة التعرُّف على تعبيرات الوجه الإيجابية والسلبية بدرجة أكبر مما كان يُعتقد من قبل. اكتشف الباحثون، في دراسة نُشرت بدورية شيلد سيكاتري أند هيومان ديفلوبمنت أن الأطفال الذين يعانون من التوحد، يمتلكون مهارات معالجة عاطفية بارعة في التعرُّف على تعبيرات وجوه أمّهاتهم، وأنهم متناغمون تمامًا مع مشاعر أمهاتهم، مثلهم مثل الأطفال غير المصابين بالتوحد. وكانت هذه الدراسة قد اختبرت المهارات الاجتماعية-العاطفية، باستخدام وسيلة للتعرُّف على التعبيرات العاطفية للوجه، يمكنها أن تميز بين الوجوه غير المألوفة والوجوه المألوفة، عند الأطفال الذين يعانون من اضطرابات طيف التوحد، مقارنةً بنظرائهم من الأطفال الذين ينمون بشكل طبيعي.
أظهرت النتائج أن الأطفال الذين ينمون بشكل طبيعي كانوا أكثر كفاءةً في تمييز الوجوه بشكل عام، في حين أن أطفال المصابين بالتوحُّد تعرفوا على تعبيرات أصحاب الوجوه المألوفة بشكل أكثر دقةً من تلك الوجوه غير المألوفة. علاوةً على ذلك، لم يختلف الأطفال المصابون بالتوحد عن الأطفال الذين ينمون طبيعيًّا من حيث قدرتهم في التعرف على التعبيرات السعيدة، ولكن الأطفال المصابين بالتوحد كانوا أقل مهارةً في التعرُّف على التعبيرات السلبية.
ويبدأ اضطراب طيف التوحد في مرحلة الطفولة المبكرة، ويتسبب في نهاية المطاف في حدوث مشكلات على الصعيد الاجتماعي، في المدرسة والعمل، على سبيل المثال. وغالبًا ما تظهر أعراض التوحد على الطفل في غضون السنة الأولى، وتظهر بعض علاماته عليه، مثل قلة الاتصال بالعين، أو عدم الاستجابة للنداء باسمه، أو عدم الاكتراث لمقدمي الرعاية.
وقد ينمو أطفال آخرون بشكل طبيعي خلال الأشهر أو السنوات القليلة الأولى من عمرهم، لكنهم يصبحون فجأةً انطوائيين أو عدوانيين أو يفقدون المهارات اللغوية التي اكتسبوها بالفعل، وعادةً تظهر تلك العلامات عند عمر عامين. ويعاني بعض الأطفال المصابين بالتوحد من صعوبة في التعلُّم، وبعضهم لديه نسبة ذكاء أقل من المعتاد لدى نظرائه، ورغم أنهم يتعلمون بسرعة، إلا أن لديهم مشكلةً في التواصل وتطبيق ما يعرفونه في الحياة اليومية والتكيُّف مع المواقف الاجتماعية.
هل لمرض التوحد علاج؟
لا يتوفر حتى يومنا هذا علاج واحد ملائم لكل المصابين بنفس المقدار. وفي الحقيقة، فإن تشكيلة العلاجات المتاحة لمرضى التوحد والتي يمكن اعتمادها في البيت أو في المدرسة هي متنوعة ومتعددة جدا، على نحو مثير للذهول.
بإمكان الطبيب المعالج المساعدة في إيجاد الموارد المتوفرة في منطقة السكن والتي يمكنها أن تشكل أدوات مساعدة في العمل مع الطفل مريض التوحد.
علاج التوحد يشمل:
العلاج السلوكي (Behavioral Therapy) وعلاجات أمراض النطق واللغة (Speech - language pathology)، العلاج التربوي – التعليميّ، العلاج الدوائي، العلاجات البديلة. ونظرا لكون مرض التوحد حالة صعبة جدا ومستعصية ليس لها علاج شاف، يلجأ العديد من الأهالي إلى الحلول التي يقدمها الطب البديل (Alternative medicine).
رغم أن بعض العائلات أفادت بأنها حققت نتائج ايجابية بعد علاج التوحد بواسطة نظام غذائي خاص وعلاجات بديلة أخرى، إلا أن الباحثين لا يستطيعون تأكيد، أو نفي، نجاعة هذه العلاجات المتنوعة على مرضى التوحد.
وتشير التقديرات المستمدة من الاستعراضات إلى ان طفل واحد من بين كل 160 طفلاً يصاب باضطرابات طيف التوحد. وتمثل تلك التقديرات عدد الحالات في المتوسط، وتتباين معدلات انتشارها تبايناً كبيراً بحسب الدراسات، بيد أن بعض الدراسات الحديثة تفيد بمعدلات انتشار أعلى بكثير من ذلك.
أما الوالدان فلهما دورًا أساسيًّا في توفير الدعم اللازم لطفلهما المصاب بالتوحد، وبمقدورهما أن يساعدا في ضمان إتاحة الخدمات الصحية والتعليمية للطفل، وأن يقدما بيئات رعاية وتحفيز لدى نموه. وثبت في الآونة الأخيرة أن بإمكان الوالدين أيضًا أن يساعدا في تزويد طفلهما بالعلاجات النفسية والسلوكية.
اضافةتعليق
التعليقات