طالما تحدثنا عن السيدة الزهراء وتكررت الكثير من جوانب حياتها في الطرح خصوصا من ناحية عفتها (عليها السلام) والكثير ممن تناولوا سيرة حياتها الطاهرة لذا كان لابد ان نتطرق إلى الإمكانية العالية التي تمتلكها الصديقة من ناحية الإبداع في اللغة والمنطق البديع الذي أثّرَت بهِ التأريخ في خطبتها العظيمة (الخطبة الفدكية). وكما نعلم ان الابداع بكل جوانب الحياة مطلوب ، فللغة النصيب الأوفر ؛ لأنها الأكثر استعمالاً في جوانب الحياة المختلفة، فكلما كان التفكير منظما وخلاقًا كانت اللغة المنطوقة، والمكتوبة أكثر إبداعاً، وكلما كانت اللغة إبداعية، كان تأثيرها أعمق وأوسع، وأخلد، فالعلاقة بين اللغة والتفكير رابط واسع فالتفكير لغة داخلية، لا يظهر الا بالنطق والنطق من دون لغة عالية لا يصل بشكل جيد وإن وَصل فسيكون تأثيرهُ تأثير جزئي وآني. وما الخطبة الفدكية إلا مثال للأبداع اللغوي فقد نقلت اللغة إلى مستويات عالية من التواصل، وتمثل ذلك في الخروج من إطار التقليدية المباشرة إلى تعبير منطقي جمالي واضح بمستويات لغة عالية تصل إلى جميع العقول ، فكان لها تأثير كبير في عصرها، واستمر إلى وقتنا الحاضر. ويرتبط الإبداع باللغة ارتباطاً وثيقًا بالتوصيل والتأثير. فضلاً عن أنها نقلت ثروة ثقافية عالية إلى الأجيال الجديدة، وتأسيسا على ما تقدم فإنّ تنمية الابداع اللغوي يسهم بدرجة كبيرة في تنمية تفكير الفرد، ويجعل هذا التفكير تفكيرًا ابداعيًا مبتكرًا، ولا يفوتنا قول أينشتاين: "إنه من أسمى الفنون، أن يوقظ المدرس البهجة في المعرفة والعبارات الإبداعية". وبهذا نجحت خطب أهل البيت ، ومنها - الخطبة الفدكية للزهراء - لنقل اللغة إلى مستويات عالية من التواصل، وتمثل ذلك في الخروج من إطار التقليدية المباشرة إلى وظيفة جمالية وتعبيرية منظمة. من حيث المفردات والتركيب بصورة مُغايرة، تثري القاموس العربي، ومستويات اللغة من صرف وصوت ونحو ودلالة بمعان جديدة وأساليب مبتكرة، وبهذا خقلت صورة لغوية ملموسة بجمالها وجديدة بطرحها وتركيبها وقد كانت غير مألوفة او مستهلكة. ومن ضمن الامكانيات العالية التي كانت لديها هي الطلاقة في الحديث ويُقصد بها تعدد الأفكار التي يمكن أن يستدعيها الفرد، أو السرعة التي يتم الطرح بها؛ وتنقسم الطلاقة على ثلاثة (كما ذُكِرَ في كتاب تنمية الابداع والتفكير الابداعي وكتاب الابداع والتفكير الابتكاري في العمل الابداعي في التعليم ومعوقاته) ، وذكر فيها أنواع طلاقة الكلمات أو الطلاقة اللفظية word fluency: تقتصر هذه الطلاقة على توليد عدد من الكلمات باعتبارها تكوينات أبجدية يعتمد فيها المبدع على مخزونه المعرفي في الذاكرة لتحقيق أفكاره الابداعية على أرض الواقع، وبهذا تتحصل القدرة على إيجاد عدد كبير من البدائل والحلول والأفكار أو الاستعمالات عند البحث في موضوع معين، ويكون الفرد قادرًا على إيجاد هذه الاقتراحات بشكل سريع وسهل، وتعتمد طلاقة الكلمات على عملية التذكر، واسترجاع معلومات، وخبرات، ومفاهيم تعلمها الفرد بالسابق، إذن هي التحكم في اختيار الالفاظ والكلمات بصورة ابداعية، أو هي القدرة السريعة على إنتاج الكلمات والوحدات التعبيرية المنطوقة واستحضارها بصورة تناسب الموقف." و ذلك يوضح لنا قول الزهراء بطلاقتها في اختيار الالفاظ البديعة والمقفاة منها بصورة بديهية من غير تكلف أو عناء؛ لتشكل سجعًا يناسب المقام المراد. ولم تكتف بهذا الحد من الطلاقة. اوكما نعلم فإن الزهراء ، ورثت علومها من أبيها ، فقد كانت عالمة القرآن الكريم وبتفسيره، وكذلك العلم المطلق بالأحاديث القدسية وبالسنة النبوية الشريفة، وكذلك العلوم التي أنزلها الله (عز وجل) على أنبيائه من آدم إلى النبي الخاتم محمد ، فهذه العلوم كلها ورثتها * من أبيها ؛ لكونها الامتداد الذي جمع بين النبوة والإمامة، فقد كان علمها لدنيا من الله تعالى موروثا من سيد الأكوان أبيها محمد ، وعن أبي جعفر الباقر قال: «لما ولدت فاطمة أوحى الله إلى ملك فأنطق به لسان محمد صلى الله عليه واله وسلم فسماها فاطمة ، ثم قال: إني فطمتك بالعلم وفطمتك من الطمث، ثم قال أبو جعفر : والله لقد فطمها الله بالعلم وعن الطمث بالميثاق. وما تحدثت به الطاهرة هو إلهام وهو فيض إلهي من الفيوضات غير المكتسبة، وهو الإلقاء الخفي في النفوس، وقد أكدت الروايات على أنَّ الإلهام أحد وسائل المعرفة عند المعصوم ، فورد مسندًا عن يحيى المدائني عن أبي عبد الله الله قال: «قلتُ : أخبرني عن الإمام إذا سئل كيف يجيب ؟ فقال : إلهام وسماع وربما كانا جميعاً )، وعند تتبع سيرة فاطمة الزهراء، نجدها قد وصلت إلى المرتبة العليا، من مراتب العلم وهي (حق اليقين). وبهذا فقد كانت الخطبة مزيجًا من العلم والمعرفة والالهام حيث انها وصلت الى هذا الحد من التأثير على مدى العصور والازمان وكان خطابا ثوريا عظيم احدث فرقا شاسعا وايقاظا للأُمـة..
اضافةتعليق
التعليقات