هل رأيتم السبحَة التي عُقدَتها غير مُحكمة؟ تلك التي هي ليست بعزيزة على صاحبها، ليس بينه وبينها ذكريات، لا تسبيح ولا تهليل، ولا حمد ولا ثناء للرب الجليل، فهو بلا شك لا يحرص عليها، وإن فَرُطت وضاعت بعض حباتها لا يحزن أبداً! حتى وإن عاد لتجميعها لا يَكترث إن كانت ناقصة العدد أو مكتملة!.
هكذا حال الإنسان الذي لا يعرف قيمة نعمة هذه الحياة التي تُصنع من كل لحظة، ونية، وخطوة، وفكرة، وسلوك يعمله، هي كحبات السبحة المتجمعة لتشكل له دائرة مسيرته الحياتية، ومن ثم تُرسم وفقها صورة منتهاه.
أما خيط السُبحة الذي يَجمع حبات حياته فهو علاقته بربه، والتي تتفرع منها علاقته بإمامه(عجل الله فرجه الشريف)، وعلاقته بنفسه، وعلاقته بدوائر الناس المرتبطة به من أهل وقرابة، وأصحاب وحتى الغرباء.
فإن لم يُحافظ عليها، ويتعامل معها بالشكل السليم، ويجعلها داخلة في ذلك الخيط الجامع لها، لتصبح متصلة، متماسكة، متكاملة، جميلة، وبدأ يتوانى حتى يفرط بها بمعصية هنا، وغفلة هناك، نظرة حرام هنا، لهو ولعب هناك، أذى وظلم للنفس أو للخلق.
هنا سيجعل صلته بطاعة ربه ضعيفة، وتعامله مع نفسه الميالة للراحة مهزوزة، فلا يكون قادرا على التعامل معها بحزم، وحتى علاقاته الإجتماعية تكون متشنجة غير لينة أو مبنية على المودة، أو قائمة على ما يرتضيه المولى، بل قائمة على المصلحة، على من يُقدم له النفع الأكبر، والذي يوصله لمبتغاه بالطرق الأسهل، فتغدو سلسلة حياته كخيط السبحة المتهالك الذي هو عُرضَة للإنقطاع في أي لحظة، فإن انقطع وفرطت بعضها قد لا يُجدي البحث عن هذه الحبة أو تلك!
وهذه سمات الشخص الكسول، كما ورد عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: [للكسلان ثلاث علامات: يتوانى حتى يفرط، ويفرط حتى يضيع، ويضيع حتى يأثم](١).
لذا لكي تنتفي علامات الكسل هذه، لابد أن يَحرص الإنسان على توثيق عرى علاقته بخالقه، فلا يتهاون في أداء الواجبات تجاه من لهم مسؤولية عليه، يتورع عن المحرمات والدخول في الشبهات، لا يهمل النفس تهذيباً وبناءً وتطويراً، وبذلك يجعل خيط اتصال الروح بخالقها قوي، لا يمكن أن يصيبه تآكل، لا ينقطع وإن انقطع وجود الإنسان في هذا العالم، بل يكون دائما نشطا يسعى في تحصيل زاده لتلك الحياة الأبدية.
بالنتيجة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) نبهنا في حديثه النوري هذا لمدى خطورة الكسل، وبَين العوامل التي توصل الإنسان إلى ما هو باب لكل ما يُفسد الحياة الدنيوية والأخروية، والذي مفتاحه هو عدم الجدية، وفقدان الشعور بالمسؤولية، ومن ثم العيش بعبثية بلا هدف نبيل.
اضافةتعليق
التعليقات