"ياليتنا كنا معكم سادتي".. كلمة تُستفتح بها مجالس العزاء، وتُستقدم بها الزفرة والأنين، وتُستجلب بها العبرة الساكبة، وتلهج بها قلوب الحاضرين وألسنتهم، وتردّدها حناجرهم الولائية جريا على العادة في ليالي شهر الأحزان؛ شهر تسربل بالسواد ألما وجزعا لمقتل خامس أصحاب الكساء.
ونحن إذ نُحيي ذكراه الأليمة في كل عام، ونُجري عَبَراتنا لهذه الفجيعة الدامية، فنشاطر أهل البيت أحزانهم، ونقدّم في مواساتنا هذه دمعا هتونا ونعيا مُبكيا وعزاءً خالصا، ومجالس رثاء تُدمي الأفئدة.. كل هذا يحدث حين يحلُّ محرّم بأعلامه السود في أرجائنا.
ولكن.. هل فكرنا يوما أن تكون لنا راحلة في ركب الحسين عليه السلام؟!
كنا نطفاً في الأصلاب حين ٱستغاث المولى أبو عبدالله، وأطلق صرخته المدويّة: ألا من ناصر ينصرنا.. ألا من ذاب يذب عن حرم رسول الله.. ألا من مُعين يعيننا.
فهل كانت صرخته واستغاثته لنفسه كي يدفع عنها الموت؟ أم كانت صرخته للدفاع عن منهج الرسالة وقيم الاسلام التي بدأت تتلاشى وتندثر بفعل سياسات بني أمية؟
الامام الحسين عليه السلام كان يعلم أنه سيُقتل لا محالة وهو القائل: (خُط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما أولهني الى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي تقطّعها عُسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني أكراشاً جوفاً وأكرشةً سغباً لا محيص عن يوم خُط بالقلم).
وأصحاب الامام الحسين كذلك كانوا مشاريع استشهادية في ساحة الوغى.. لبّوا نداء مولاهم ووطنّوا أنفسهم للموت الذي لابد منه، وارخصوها دون الحسين وأهل بيته الأطهار.
السؤال: ماذا قدمنا نحن من ندّعي انتماءنا لخط الحسين؟ من سمع واعية الحسين في زمانه قدّموا ولم يقصّروا عن نصرة إمامهم وسيّدهم، وبذلوا أعظم ما يملكون وهي أرواحهم.. أما نحن فماذا أعطينا ولمن سمعنا وعلى ماذا وقّعنا؟!
سؤال لابد أن يتراود إلى ذهن الموالي وإلا فإنّ الوقوف متفرجا لا يشكّل نصرة، ولا يُثقل جبهة، ولا يزيد سواد فئة تقاتل.
فهل لك راحلة في ركب من تدّعي ولاءه وتسير على منهجه وتستظل تحت رايته؟
وهل لك بصمة خاصة تعبّر من خلالها تأييدك لجبهة الحسين في مقابل جبهة عدوه التي لا تنحصر في طاغية عصره يزيد فحسب، بل يمتد ليشمل كل طاغوت على مر الزمن؟
هل راجعت اعداداتك الذاتية أيها الموالي لتعرف موضع قدميك وفي أي جبهة أنت؟
تقول الكاتبة الأديبة علياء الأنصاري: (قتلة الحسين عليه السلام كثيرون!! ليس يزيد فحسب، يزيد نكرة في عالم الوجود.
قتلة الحسين عليه السلام: من يقفون على التلة، ينظرون معركة الحق والباطل.. قد يتعاطفون مع الحق، يذرفون دموعهم عندما يسقط جريحا، ولكنهم لا يتحركون من أماكنهم.
قتلة الحسين عليه السلام: الكذّابون، المتزلفون، المنافقون، المتصنعون، وما أكثرهم!!.
قاتل الحسين عليه السلام: من يلبس السواد عليه ويلطم الصدر، وهو ظالم لزوجته أو أبنته أو أمه أو أخته، يصادر منها أبسط حقوق الحياة، ولا يكرمها كما أكرمها الله (ولقد كرمنا بني آدم).
قاتل الحسين عليه السلام: من لا يجيد إتقان عمله، يتسكع في وقته، لا ينجز معاملات الناس ولا يتعامل مع حقوقهم بإنصاف وأمانة..
قاتل الحسين عليه السلام: من يبني مجده على أنقاض حقوق الناس وحياتهم الكريمة.
وأخيرا.. هل أنت مع الحسين أم مع قاتله؟! وإنْ كانت لك راحلة، أخبرني بربِّك مع ركب مَن تنيخها، وإلى أيّ جبهة تسوقها؟!
اضافةتعليق
التعليقات