قرأتُ مرة في إحدى كتب التنمية عبارة أعجبتني، ألا وهي: أن تكتبُ كلَ يوم شيئاً جميلاً حدث معك وأن تخصص دفتراً لذلك وتطلق عليه دفتر السعادة أو كتاب السعادة مهما تحب وهكذا تكون قد ركزت على جانباً مضيئا ليومك في كل يوم متجاوزا كل ما يحدث في ذلك اليوم من ظروف وأحداث قد تثير ضجرك أو غضبك.
إلا أنني لاحظت أن معظم الأيام تمضي هكذا برتابةٍ ودونما أي حدث يشيد بالذكرِ والاهتمام.
كنتُ أبحث كثيراً عن شيء أكتبه في دفتر السعادة هذا ولم أجده, لم أُصادف أي شيء يثير اهتمامي! فحتى النملة الصغيرة أصبحت تختفي عندما أظهر أمامها.
بحثتُ كثيراً وانتبهتُ لتفاصيل يومي أكثر فأدركت أن لنا في كل يوم حدثٌ جميل ونعمة جميلة وبإمكاننا أن نكرر كتابتها كل يوم دون أن نمل ذلك.
فكل نفس وكل نبض نعمة تستحق الإمتنان والشكر، بل وحتى كل طرفة عين. ذلك القلب الذي ينبض حدث جميل. تلك النفس التي تسعى حدث جميل.
أن تقرأ وتكتب حدث جميل، أن ترتل القرآن فجراً حدث جميل، أن تُسبح وأنت في طريقك لأي مكان حدث جميل.
آذانُ الفجرِ ونقائه وصفائه حدث جميل ففيه يُخبرك الله أنه بجانبك يخبرك أن قم توضئ وتوكل وصل فصلاة الفجر في وقتها حدث جميل ليومٍ جديد.
يقول الشاعر محمود درويش:
وأنت تعد فطورك فكر بغيرك لا تنسَ قوت الحَمام
وانت تخوضُ حروبك فكر بغيرك لا تنسَ من يطلبون السلام.
فعلا جرب أن يكون قسماً من الطعام المتبقي للحَمام إهديها إياه صباحاً ستفرح وتغني وتودعك لعملك بأحلى هديل ممكن أن تسمعه! الطيور تهدي نغماتها كل يوم وبالمجان لكن عندما نصغي حقاً وعندما نعطي يكون اللحن مختلف والنغم أجمل بكثير فالطيور والحيوانات أيضا تشكر العطية ولكن على طريقتها الخاصة. وهذا حدث جميل ممكن أن تكتبه.
السلام عليكم
وعليكم السلام
وبابتسامة، تلك تحية ديننا السامي فما أجملها لتصنع منها حدث جميل أيضا, أن تبتسم في وجه أحدهم حتى وإن لم يكن مقرباً منك بالدرجة الكافية، فإبتسامتك كفيلة بأن تخلقُ له حدثاً جميلاً ولك أيضا. فبإمكانك أن تكتبها كل مرة مع بعض التعديلات! فمثلا تقول عندما كنت أرتدي لوني المفضل أو نظارتي الجديدة أو في يومي المفضل من أيام الأسبوع وهكذا.
أو مثلاً قدر لي أن أهدي طفلا ابتسامة وسلام فأعادها لي بالمثل أو بالأجمل.
الله تعالى يقول: (وإذا حُييتم بتحيةٍ فحيوا بأحسنِ منها أو ردوها إن اللهَ كانَ على كل شيءٍ حسيباً).
فما فائدة أن تبدوا متجهماً غاضباً! فالمشاكل, الهموم وحتى الأوجاع والآلام لن تُحل بالوجه العبوس وكثرة الشكوى والتذمر بل على العكس تتعقد أكثر وتتسع متخذة مساحة أكبر من قلبك وعقلك فيُثقل القلب ويتشتت العقل لأنك من سمح لليأس بأن يتسرب إليها, أعطيت للشيطان حرية التصرف فأولى خطواته فيها هو أن يرمي شكاً قبيحاً في قلبك يسلبه سلامه ليضيق ويضيق أكثر فأكثر، لتنقم على حياتك والآخرين لتتهم الله بأنه يختبر صبرك دون الآخرين لتلوم نفسك والآخرين فتُثقَل ويصيبك الحزن والأسى وتنسى أن الله معك في كل نفسٍ وكل طرفة عين. فيبدو الأمر أشبه بصخرة تستقر على قلبك, وتزداد حزنا, حتى يبدو وكأن هذا العالم ضيقاً ولا يحتويك فتبتعد عن الله.
وأنت ومع كل هذا الحزن والضياع تبقى في عناية الله وحفظه لكنك لا تدرك! فالشكوى والتذمر والخوف والتردد والحزن وسوء الظن بالله أولاً وبالآخرين ثانياً كلها قيود أربكتك ومزقت اطمئناناً زرعه الله في روحك فغدوت وحيداً كمن يجلس في زاويةٍ باردة لوحده ويحتضن نفسه فيبكي بحرقةٍ علَ دموعه تدفئ ذلك البرد الذي تعانيه روحه أوتذيب جبل الضيق الذي اجتاح قلبه لكنها تنزل أشد برودة وقسوة!.
فتتمادى بسوء الظن فتقول يا رب هل أهملت عبدك وهو في قمة يأسهِ وحاجته إليك!, يا رب أنا مخطئ فتقبلني، فدُلني علني أجد السبيل عل روحي تهدأ وتسكن عواصف قلبي.
(إلى من يذهبُ العبدُ إلاّ إلى مولاه، والى من يلتجئُ المخلوقُ إلاّ إلى خالقه).
يا رب قلبي بحاجتك.. فالله يُجيبك أنت مخطئ أنا لم أتركك ولو لثانية، أنا معك في كل مرة أنت من ابتعدت أنت من اتبعت هوى نفسك أنت من أهملت قلبك وجعلته مكاناً لمن هب ودب بعدما كان مسجداً مقدساً لي وحدي, لكني لم أترك يدك فما زلت بعنايتي.
الله يريدك أن تستشعر التغيير في داخلك، أن تنوي التغيير وتقصده أن تبتعد عما يؤذيك، أن لاتحزن وتجر لنفسك الخيبة في كلِ مرة..
غيبة أحدهم تؤذيك والكذب يؤذيك, أن تكسر قلب أحد بكلمة، بموقفٍ، أو حتى بنظرة يؤذيك, فكل منا في هذه الحياة شأن يُغنيه فلماذا لا ننشغل بأنفسنا وننشغل بترميم علاقتنا بالله بدل أن ننشغل بالآخرين وحياتهم.
الله لا يُغير مابنا من حال حتى نُغير نحن ما بأنفسنا, فلا تنشد التغيير ومازالت نفسك مكبلة بقيود الغيظ والحسد، لا تنشد التغيير ومازلت لا تستطيع أن تسامح من أساء إليك من قلبك، لا تنشد التغيير وأنت مقصر تجاه عملك.
ولا تنشد التغيير وتنقصك ثقة القدوم بين يدي الله، في كل مرة!.
أن تسامح أحداً أساء إليك كثيرا ولو أكثر من مرة فأنت بذلك تُنقذ فطرة الإنسانية بداخلك تُحييها من جديد تهديها نبضاً مرة أخرى، تفرح قلب رسول الله (ص) فلطالما كان متسامحا ورحيما..
لم يكن التسامح والاعتذار يوماً ضعفاً أبدا. كلنا بشر كلنا خطائين فإن اخطأت اعتذر وإن اعتذر أحدهم إليك سامح حتى نسمو بأنفسنا نحو قمم الاطمئنان.
حتى نحيا بالحب فالأشياء الجميلة موجودة دائما وفي كل مكان والأحداث الجميلة نحن من يصنعها..
فلنحيا بالأمل ولنكن أملاً لغيرنا ما استطعنا, لتمتد أيدينا بالخير والعطاء, فلا ندع عواصف الفقد والحزن والمرض تهد ما بنيناه في قلوبنا من خير، أو تطفئ جذوة الطمأنينة التي لطالما بحثنا عنها.
فلنحافظ على تلك الطمأنينة بالصلاة، بالقرآن، بالاستغفار, بمساعدة من هم بحاجتنا دوما وينتظروننا دائما.
فلا شيئ أجمل من أن تكون أملاً لأحدهم فذلك أجمل حدث ممكن أن تصنعه. لنكن أملاً لمن قست عليهم الحياة وارهقتهم وسلبتهم الكثير، لنضيء لهم دروباً ونتقاسم الحب بيننا..
فمهما تركت فيك الحياة من آثارها فاصبر واحتسب, الله معك دائما فلا تخش التقدم، استمر إنه معك وفي كل خطوة.
الله يحبك.. وهو منجيك من كل كرب فلا تحزن ولا تبتأس أو تيأس.. فاصنع حدثاً جميلاً لنفسك كل يوم.. واصنع دفتر سعادة جميلا في كل عام..
اضافةتعليق
التعليقات