كانت قد تعوّدت تماماً وبات ذلك التصرف من طباعها اليومية، فهي لا تصحو إلا عندما تكون أشعة الشمس قد لا مست وجهها بغضبٍ معلنة لها عن حنقها وتقصيرها كل يوم، فتصحو، تلهث لتستطيع اللحاق على يوم جديد بدأ متأخرا أيضا!.
فتبدأ بالتذمر من كل المواقف السلبية التي تمر بها في يومها وتتذمر من كل العالم حولها، وتعلن أنها ليست المخطئة وإنما هي الأشياء تأتي عكس ما تريد دوما، فالكون كله مخطئ بنظرها إلا هي.
فهي دائما ضحية الظروف ودائما ما تكون قد وُضِعت في المكان الخاطئ، فمكانها ليس هنا إنها تستحق ظروف أفضل.
فكثيرا ما كانت تردد: أنا أشبه الفراشات لا يليق بي سوى أناقة حقول الربيع وأزهاره الناصعة، وهكذا يمضي يومها مسرعا ومتعجلا مثلها تماما وبأقل الإنجازات، لينتهي بها المطاف مساءً ليكون يومها قد بدأ يعلن نهاية ساعاته بتعب، وتعلن هي خيبتها بإنجازها الصغير وفراشات أحلامها تدور حولها ولكن ينقصها الأجنحة والألوان، ينقصها الفرح والحب، ينقصها الأمل والأبتهاج، فراشات كالسراب لا وجود لها. فتمضي في نوم عميق دون أن تحرر قيودها، دون أن تصنع لفراشاتها أجنحة، دون أن تهدي النور لأحلامها لتولد.
لأن نوافذ قلبها كانت حبيسة الأمنيات وتسويفها، وهكذا تمضي كل يوم على أمل لقاء أحلامها يوما.
لم تكن سيئة أبدا بل كانت فتاة حالمة لكن قيودها هي من تربكها وتكون سببا لحياتها المبعثرة والهزيلة، لم تكن تملك زمام أيامها وساعاتها.
هناك شعاعاً من النور كان يتقد في قلبها دائما لكن لم يجد السبيل بعد، لم يعرف كيف يتحرر، لم يعلن للعالم أنه موجود، كان هزيلا كبرعم صغير لم تحنو عليه زخات المطر بعد لتشكل منه زهرة جميلة وقوية.
شعاع أملها كان يؤمن بمقولةٍ تحبها كثيراً وغالبا ماتنظرُ إليها مبتسمة: (العالمُ مليءٌ بالألوان) فكانت تقول في نفسها ترى متى تبتسم لي هذه الألوان، متى أصنع منها لوحتي وقصيدتي، متى يرقص حرفي وتزهو أحلامي، متى أختار ما أشاء من الألوان دون خوف.
في إحدى الليالي كانت قد استيقظت فجراً وعلى غير عادتها، فلامس قلبها هدوء الفجر، وسحره الأخّاذ، ذلك الهدوء العظيم الذي يرتديه الفجر بتلاوته وآذانه، فكان صوت المؤذن قد أيقظ شيئاً دفيناً بداخلها، ما أروعه وأجلاه، فتساءلت في نفسها ترى كم من الثمن على الانسان أن يدفع وكم من النقاء عليه أن يمتلك حتى يوقظه الله بهذه الطريقة الملائكية الصفات، إنها منزلة رفيعة حقا، إن الله استخلص هذه الفئة حقا!.
تمتمت هذه الكلمات مع نفسها، ونهضت لتصلي صلاة الفجر، هذه المرة هي من أيقظت الشمس، فجاءتها خيوط الصباح بشمسٍ خجولة تداعب مباسم الأزهار، وتغني مع الطيور ترانيمَ تلاوتها وتسبيحها وتوقظ العالم، إن استيقظوا، فهناك يوم جديد وأمل جديد، إنها هدية أخرى، عليكم الشكر لله.
فتعلمت الدرس الأول بعد أن فكت قيود الفجر: وهو الإمتنان إنه شعور عظيم أن نصحوا كل يوم وقلوبنا يملؤها اليقين والأمتنان.
الدرس الثاني بعد أن تحررت قيود الفجر: هو إن صلاة الفجر في وقتها تهدي الإطمئنان وذلك شعور عظيم وطاقة نحن بحاجتها لليوم كله.
أما الدرس الثالث: فتعلمت أن الخيبات الصغيرة التي مرت بها في حياتها ما هي إلا عبرا لتصقل روحها وتُخرج منها طاقة الانسان العظيمة الكامنة فيه، وقدرته، إنها الارادة، وما الخوف والتردد والتسويف إلا قيوداً لتلك الإرادة.
فلنتعلم منها كيف نفكُ قيود الفجر فينا، إنها ليست كأي قيد لم تُصنع من الحديد أو تُصقل، لا إنها قيود من نوع آخر ولربما أقوى وأصعب لأن مفتاح القيد يكمن في مكانٍ ما في أرواحنا، تلك القيود هي أمانينا المنتظرة على عتباتِ السماء، إنها أحلامنا المبعثرة والتي لطالما أضلت طريقها، إنها خوفنا من المجهول، إنها ترددنا الدائم إزاء حياتنا ونحن فيها، انها خطوات مسقبلنا الخجولة الخطى، إنها قلوبنا المتعثرة، إنها همومنا.
هذه هي القيود التي تقيد أرواحنا خوفا وقلقاً من المضي عند فجر كل يوم، فتعيق يومنا بأكمله، لنضيء أملاً يوقد فينا روعة روح الفجر وحيويته، لنحتوي قلوبنا، لنبدأ كل يوم بروح الحب والإمتنان، فلنصحو كل يوم وأولى مهامنا مصافحة الفجر بإبتسامة الأمتنان لله، فساعات يومنا الأولى تحمل معها بركة اليوم كله، فليكن استقبالنا لها لائقاً بروعتها.
لنشعر بذلك الامتنان ينمو بداخلنا، الامتنان من كل شيء حولنا حتى نتمكن من نثر ورود حبنا على الآخرين، حتى ننقل إليهم تلك الطاقة البهيجة كل يوم بالابتسام، بالسلام الجميل، بالروح المرحة، حتى يغدو عالمنا مليء بالألوان فعلا، حتى تنكسر كل القيود، كل ذلك الصمت الرتيب، تلك الخطوات المكررة المملة حتى تختفي كل الألوان الباهتة، لتعلن أرواحنا عن ربيعها كل يوم بالإمتنان لله، فقل دائما الحمدُ لله.
تلك الفتاة انطلقت بعالمها الجديد، ولا تخلو هذه المرة من الصعاب ولن يكون وردياً دائما لكنها تعلمت كيف تفك القيد في كل مرةٍ وتمضي، فلنعش بإمتنان.
اضافةتعليق
التعليقات