في ظل حياتنا اليومية، ومايعيشه الإنسان من شعور نفسي سواء بالفرح أو الحزن، والمشاكل اليومية التي تحيط فيه، فهو يعبر عن حالته النفسية، بحيث أنه شعر فيها ولمس إحساسها الموجودة في داخله.
فالإنسان بمايفكر فيه ويجعله غالب على نفسيته، فإذا كان سيء المزاج سيصاب بمرض نفسي ويتأذى منه. وأما في فرحه سيظهر شعوره الجميل بالابتسامة التي تشق وجنتيه، وحينما يجرح شخصاً ما فينتابه شعور بالحزن لأنه فكر بعد ذلك في خطأه. واللاشعور ليس له وجود في حياتنا، وليس لدينا احساس فيه بإختلاف الظروف والأحوال النفسية.
فتكون حياتنا النفسية موضوعاً واضحا، أم هناك جانباً لانعيه. ففي هذا الموضوع والذي عرفه الفلاسفة منهم الفيلسوف الفرنسي ” لالاند” بأنه ”الشعور حدس الفكر لأحواله وأفعاله”، "ويكون الشعور بهذا التعريف هو الوعي الذي يصاحبنا دوما عند القيام بأي عمل" هكذا تأسست أفكار المدرسة الكلاسيكية على هذا الرأي بزعامة الفيلسوف الفرنسي "ديكارت 1596 / 1650"، الذي جعل من الشعور أساسا ومبدءا وحيدا لتفسير حياة الإنسان النفسية.
فالحياة النفسية في نظره تساوي الشعور والشعور يساوي الحياة النفسية، وترجع جذور هذه النظرية إلى الفلسفة اليونانية وبالتحديد إلى آراء ”سقراط 479/ 399 ق م“. والذي اعتقد ان الإنسان يعرف نفسه ويستطيع الحكم عليها وعلى أحوالها وأفعالها وقد عبر عن ذلك بمقولته الشهيرة ”اعرف نفسك بنفسك”.
ونفس الموقف نجده في الكوجيتو الديكارتي الذي يقول ”أنا أفكر إذن أنا موجود”، ويؤمن ديكارت كذلك بأنه لا وجود لحياة نفسية خارج الشعور ما عدا الحياة الفيزيزلوجية التي ليس لها علاقة بنفسية الإنسان، يقول ديكارت: "ليس هناك حياة نفسية خارج الروح سوى الحياة الفيزيولوجية فإذا كانت الحياة الفيزيولوجية غير شعورية فإن الحياة النفسية لابد أن تكون شعورية فقط".
إلا أن هذا الموقف يفسر بعض الجوانب فقط ويعجز عن تفسير كثير من الحالات الأخرى التي يتعرض لها الإنسان في حياته فلا يوجد شيء يؤكد أن الحياة النفسية هي كلها شعورية وقابلة للملاحظة.
فهناك الكثير من الحالات النفسية والسلوكية عجز الإنسان عن تفسيرها تبعا للشعور وهنا كان لابد من افتراض جانب آخر يشكل الحياة النفسية وهذا الجانب هو اللاشعور.
على خلاف الموقف الأول افترض طبيب الأعصاب النمساوي ”سيغموند فرويد 1859 / 1936” وجود جانب آخر أكثر أهمية من الشعور وإليه يمكننا إرجاع معظم تصرفاتنا وهو ”اللاشعور” الذي عرفه على أنه مجموعة السلوكيات التي تصدر عن الإنسان دون وعي منه لأسبابها ودوافعها، ففي نظره هناك سلوكيات يقوم بها أي إنسان يعجز عن تفسيرها.
فمثلا زلات القلم وفلتات اللسان والأحلام ما هي إلا تعبيرات عن هذا الجانب المظلم في الحياة النفسية والذي اعتبر أنه يمثل جل الحياة النفسية أي الجانب الأكبر منها. ومن خلال أبحاث فرويد الطويلة في هذا المجال استنتج أن اغلب سلوكيات الإنسان هي بالأساس لاشعورية وسببها تعبير الغريزة الجنسية المكبوتة التي سماها الليبيدو.
يقول فرويد في هذا السياق إن الفنان الذي يرسم لوحة فنية ليس إلاّ طريقة لا شعورية للتعبير عن غريزته الجنسية المكبوتة”. وقد كان عالم النفس الفرنسي ”شاركو” قد أشار أيضا إلى وجود جانب خفي في الحياة النفسية يؤثر في سلوكيات الإنسان.
غير أن آراء فرويد بالرغم من أهميتها وصحتها إلى حد ما، تعرضت إلى كثير من الانتقادات حتى من أقرب الناس إليه فآراءه المتعصبة لجهة سيطرة اللاشعور على حياة الإنسان أفقده خصوصية هامة ألا وهي الوعي والإدراك فجعله أسيرا لغرائزه ومكبوتاته ونفى عنه كذلك كل إرادة وحرية في الإختيار، فابنته ”أنا فرويد” وتلميذه ‘ادلر” كانا أكثر من انتقده في هذا الجانب.
إن اعتبار الحياة النفسية وأنه يمثلها الشعور فقط فيه نوع من الإهمال لجانب مهم وهو اللاشعور، وكذلك اعتبار الحياة النفسية يمثلها اللاشعور فقط فيه تقليل من قيمة الإنسان كإنسان بكل خصائصه، والرأي السليم هو أن الحياة النفسية عند الإنسان لا يمكن معرفتها وتفسيرها إلا بالإيمان بوجود الجانبين معا فهما يتكاملان لمعرفة حقيقة النفس الإنسانية وما يدور بداخلها وإن كانت هذه المعرفة محدودة إلى حد ما.
ونؤكد على ضرورة إعطاء الحياة فرصة لتعود إلى وضعها الأصلي، ولتستعيد قواها النفسية والعقلية، لذا علينا أن نشعر ونعي مانفعله في حياتنا اليومية من همّ ومن مشاق الحياة، علينا تحملها فلانندفع نحو الهاوية مما يؤدي بنا إلى الطبيب.
لنعطي حياتنا وأرواحنا الأمل بالحياة لتعلو نفسيتنا بالتفاؤل والارتياح، لذا علينا أن لا نهتم لأمور حياتنا، فحينما نشعر بالراحة والهدوء نفكر جيداً بالحلول، وستصبح واضحة لاتحتاج لشرح وتفصيل.
فالحياة طريق طويل لكن لابد أن نستفيد منه قبل فوات الأوان، فالإيمان الذي غرسناه بداخلنا سيوصلنا إلى النجاح وسيغذينا بالشعور الجميل والرائع بالحياة ولنعرف أنفسنا بأنفسنا.
اضافةتعليق
التعليقات