تسري السعادة في خط دائري، وليس في خط مستقيم. وهذا يعني أنك لا تستطيع ان تحصل على السعادة الا اذا اعطيتها لغيرك.
فالسعادة كالحب، لا تأخذه الا اذا اعطيته. فأنت لا يمكنك ان تحب من يبغضك، كما لا يمكنك ان تبغض من يحبك، فلا يمكنك ان تصبح سعيدا ان لم تسعد الآخرين.
ان الشخص الذي يمنح السعادة بسخاء يبقى لديه مخزون كبير منه، فهي مصدر من مصادر القوة التي تتضاعف عندما تمنحها.
قال الامام علي عليه السلام: "إن احسن الناس عيشا، من حسن عيش الناس في عيشه". لهذا ان السعادة ترفض الاحتكار وهي تزدهر بالعطاء.
يقول احد الكتاب "سقيت زهرة في حديقتي كان قد برح بها العطش، فلم تقل لي شكرا ، ولكنها انتعشت، فانتعشت معها روحي".
اعتقد ان ثمة سعادة اكبر يشعر بها أولئك الذين يقومون بعمل طيب ويبقونه سرا.
ولقد قرأت عن رجل كان يتردد على إحدى دور الأيتام بعد ظهر كل يوم أربعاء، ليقضي ساعة من الزمن يرفه خلالها عن الصغار البائسين. وذلك عن طريق سرد القصص والمغامرات لهم، وملاعبتهم بشتى الألعاب المسلية، الأمر الذي كان يخفف به عن كواهل أولئك المكلفين رعايتهم.
ولما سئلت مديرة الميتم عن هذا الرجل أجابت أنها لا تعلم عنه شيئا، ولا من هو، ولكن مجرد وصوله إلى الميتم يبعث السرور في نفوس الصغار الذين يسرعون إلى استقباله بالهتاف والتصفيق، وكان يجيب الفضوليين الذين يحاولون كشف هويته بقوله: "لا أهمية لذلك!".
اعتقد ان هذا هو عمل الخير الصامت، وهو أمر عفوي وطبيعي لدى المؤمنين لأنهم يعملون في سبيل الله: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197).
ان إسعاد الآخرين بصمت هو اكثر مردودا في إسعاد النفس من النوع المعلن عنه. فليس مهما ان يعرف الآخرون أنك سبب اسعادهم، بل المهم ان تعرف انت ذلك. وهذا اكبر سبب لسعادتك لانه هو الجزء الافضل من حياة الإنسان.
يقول الامام علي عليه السلام: "من السعادة التوفيق لصالح الأعمال".
ويقول عليه السلام: "الكتمان طرف من السعادة".
فالسعادة مخزون من الفيض الإلهي، وحصتك منه بمقدار ما تحمله لغيرك، فإذا لم تقم بنقله لغيرك فلن تحصل منه على شيء.
ماهو الطريق لمنح الآخرين السعادة؟!
1_ قرر العطاء للناس وخدمتهم:
عندما تقرر ان تساعد الآخرين فإنك ستجد الكثير من الطرق لذلك فالمجال امامك واسع جدا لتكون خدوما، ان طريقة ان تكون خدوما سهلة جدا، أنها ليست الا هذه التصرفات البسيطة غير الملحوظة، والتي يمكنك القيام بها كل يوم، كتشجيع زوجتك في إحدى محاولاتها الجديدة، أو الاستماع إلى الآخرين.
2_انفتح على الناس حتى ولو لم تكن تعرفهم:
ان الانفتاح على الناس من الأسباب الرئيسية للشعور بالرضا والأمن، وهما من اهم عوامل السعادة. فإذا نظرت إلى الآخرين كأناس مثلك وعاملتهم ليش فقط باحترام وعطف، ولكن بالتواصل معهم فإنك لابد ستلاحظ ان هناك بعض التغييرات الطيبة تطرأ على شخصيتك، سوف تبدأ في إدراك ان الناس مثلك تماما وان معظمهم لديهم عائلاتهم والناس الذين يحبونهم، ومعظمهم لديهم أيضا اهتماماتهم والأشياء التي يحبونها والأشياء التي لا يحبونها والأشياء التي يخافون منها تماما كما هو الامر بالنسبة إليك وسوف تلاحظ ان الناس يصبحون لطفاء معك بشرط ان تحافظ على تواصلك معهم.
3_انظر إلى الناس وكأن المطلوب منك ان تكون رحيما بهم:
تذكر ان الرأفة شعور عاطفي، وهي تعني الاستعداد لان تضع نفسك في مكان شخص آخر، وأن تكف عن التركيز على نفسك، وأن تتخيل كيف يكون عليه الحال، ان تكون في مأزق شخص آخر، وعندئذ تشعر فورا بالحب تجاه هذا الشخص.
ان الرحمة هي شيء يمكن تنميته بالممارسة، وهي تشتمل على أمرين: النية والفعل، والنية ببساطة ان تفتح قلبك للآخرين، وأن تمد الآخرين بما يحتاجون مهما كان. اما الفعل فهو ببساطة ما تفعله لتنفيذ ذلك، فقد تتبرع بقدر قليل من المال أو الجهد بصفة مستمرة لقضية تمس قلبك، أو قد تمنح ابتسامة لطيفة او تحية خالصة من القلب لمن تقابله في الشارع.
كما كانت تقول الام تريزا: "لا نستطيع ان نفعل أشياء عظيمة في هذه الدنيا، يمكننا فقط ان نفعل أشياء صغيرة، ولكن بحب شديد".
4_عندما تقدم المعروف للناس فلا تتوقع جزاء في مقابله:
يقول احد الكتاب: "عندما تقدم عملا طيبا لشخص ما لمجرد رغبتك في خدمته فستلاحظ شعورا جميلا بالسكينة والهدوء. وكما تيد التمارين الرياضية المرهقة إلى إفراز مادة الاندروفين في المخ مما يؤدي إلى شعورك بارتياح جسماني، فإن أعمال الخير تؤدي إلى إفراز نظير ذلك عاطفيا. ان مكافاتك تتمثل في الشعور الذي يغمرك عندما تدرك أنك قد أسهمت في احد أعمال الخير ولست في حاجة إلى شيء في المقابل ولا حتى إلى كلمة شكر.
5_تخلص من الأنانية وحب الامتياز على الآخرين:
ان الحاجة المفرطة لجلب الأنظار نابع من الأنانية الخفية التي تصيح دائما بصاحبها لكي يقول في قرارة نفسه: "انظروا فأنا إنسان متميز، وما أقوله افضل مما يقوله غيري، وما أفعله افضل مما يفعله الآخرون".
ان صالح الأعمال ومنه بالطبع العطاء للآخرين من أفضل وسائل إسعاد النفس.
صحيح ان السعادة ليس لها مصدر واحد الا ان العمل الصالح هو من أكثرها إثارة وجمالا.
ومن أجمل ما قرأتُ عن هٰذا المجال، قصة حقيقية عن أستاذ لمادة "علم الاجتماع" فى جامعة "ماليزيا"، طلب من طلابه إسعاد إنسان واحد مدة الفصل الدراسي، ليتمكن من الحصول على الدرجة الكاملة فى مادته. وكان شرطـًا أن يكون هٰذا الشخص خارج أسرة الطالب، وأن يقدم الطالب عرضـًا لما عمِله أمام الجميع.
واتفق الأستاذ مع شركة ماليزية خاصة لتكريم أفضل عشَرة طلاب أسعدوا آخرين. ونجح جميع الطلاب في نهاية الفصل الدراسي في الحصول على الدرجة كاملة فى هٰذه المادة. وكان أحد هٰذه الأعمال يختص بشخص هندي، طالب يدرُس الطب، يفتقد الأصدقاء، والزملاء، وحتى الابتسامة! فقرر أحد الطلاب أن يحاول إسعاد هٰذا الهندي؛ فكان يكتب إليه الرسائل المُشجعة، ويضع الهدايا البسيطة أمام باب مسكنه، حتى تغيرت حياة ذلك الإنسان وأصبح أكثر تفوقـًا وتميزًا وسعادة. لنكتشف أنه قُبيل الرسالة الأولى إليه كان قد بدأ يفكر جديـًّا فى ترك دراسته، أمّا بعد ما ناله من اهتمام ومساندة وتشجيع آلت جمعيها إلى سعادة، فقرر الاستمرار والتغلب على الصعاب! إن أفضل ما فى هٰذه التجربة هو نشر ما قام به الطلاب من أعمال السعادة على ألسنة الناس الذين سعدوا بها وأحدثت صدًى واسعـًا، وهٰكذا سَرَت شرارة إسعاد الآخرين وانتشرت فى المجتمع كله لرسم الابتسامة على أوجه الجميع.
ما أرق النفس وأنبلها تلك التي تقدم الخير إلى الجميع بلا تمييز أو شروط أو مقابل! فكل ما تهتم به هو رسم السعادة فى حياة الآخرين؛ فإذا هذه النفس ترسُمها داخل مجتمعها، وربما العالم أجمع!.
اضافةتعليق
التعليقات