أتساءل كثيراً، وأجد نفسي غارقاً في بحرٍ من الحيرة. لماذا نحن البشر نعيش هذه التناقضات؟ ندرك وجود خالق عظيم، ونعلم أن الموت مصير محتوم، لكننا نتصرف وكأننا خالدون، كأن الحساب لن يأتينا أبداً.
نقف في الصلاة، لكن قلوبنا غائبة. نعلم أنها أعظم صلة بيننا وبين الله، لكنها أصبحت عادةً نؤديها بلا روح. كيف وصل بنا الحال إلى هذا التهاون؟ هل هو غرور؟ أم غفلة؟ أم أننا ببساطة لا ندرك قيمة هذه الفرصة العظيمة للتواصل مع خالقنا؟
قال الله تعالى:
(فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)، سورة مريم: 59.
هل أصبحنا من هذا "الخلف" الذي ضيّع الصلاة واستبدل الطاعات بشهوات زائلة؟ ألا نخشى أن نقف يوماً أمام الله ونحن محملون بالتقصير والذنوب؟
مظاهر زائفة وسعادة مفقودة
عندما ننظر إلى واقعنا، نجد سباقاً محموماً نحو المظاهر. الفتيات يتهافتن على جذب الانتباه بمظاهر براقة، والشباب يتفاخرون بإنجازات فارغة. وكأن السعادة أصبحت مرهونة برأي الآخرين ورضاهم.
لكن دعونا نسأل أنفسنا بصدق: هل هذه هي السعادة الحقيقية؟ هل تستحق لحظات إعجاب عابرة أن نفقد احترامنا لأنفسنا؟
قال الله تعالى:
(وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا)، سورة الإسراء: 37.
لماذا هذا الغرور الذي لا طائل منه؟ ولماذا ننسى أن الله ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا، وليس إلى مظاهرنا؟
فرصة للعودة قبل فوات الأوان
الله يمهل ولا يهمل. يمنحنا الفرصة تلو الأخرى لنعود إليه، لنصحح أخطاءنا، ولنتوب عن تقصيرنا. لكننا نتمادى في غفلتنا، وكأننا في مأمن من الموت والحساب.
قال الله تعالى:
(وَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)، سورة لقمان: 33.
هل تستحق هذه الدنيا الفانية أن نبيع من أجلها آخرتنا؟ إننا نخدع أنفسنا بأوهام لا تدوم، وننسى أن الحياة الحقيقية تبدأ بعد الموت.
رسالة إلى القلب
يا من تقرأ هذه الكلمات، تذكر أن باب التوبة مفتوح. العمر يمضي، وما تبقى منه قد يكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ نفسك من الغفلة.
قال الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) سورة التحريم: 8.
لنتوقف قليلًا، ونسأل أنفسنا: هل يستحق الأمر؟ هل تستحق هذه الدنيا أن نخسر من أجلها نعيم الجنة؟ لنراجع أفعالنا، ونعيد ترتيب أولوياتنا، ونطلب من الله المغفرة قبل أن تُغلق أبواب التوبة.
الحياة قصيرة، والفرصة ما زالت أمامنا. فلنتشبث بها قبل أن يفوت الأوان. لنعد إلى الله بقلوب صادقة، فهو دائماً هناك، ينتظر عودتنا.
اضافةتعليق
التعليقات