بدايةً لا بد من التمييز بين مفهوم «العمل» في المجال الاقتصادي ومفهوم «العمل» أو «النشاط» فالعمل يطلق على نشاط يتم بهدف توفير وإنتاج السلع والخدمات الاقتصادية، في حين أن العمل له مفهوم عام ويشتمل على كل أنواع الأنشطة، إلا أننا نواجه نمطاً جديداً من العمل في الحقبة الصناعية له ثلاث خصائص هي: القيام بالنشاطات في زمن محدد ومنظم، والحصول على أجر لقاء ساعات العمل، ووجود مسافة بين مكان العمل ومكان السكن، والذي يعبر عنه أحياناً بوجود مسافة فاصلة بين الاستهلاك والإنتاج.
إن استخدام كلمة العمل في أنشطة العمالة يؤدي عن قصد أو غير قصد إلى تجاهل الأنشطة المجانية ومنها العمل المنزلي، والعمل في المشاغل التابعة للأُسَر وأداء الأعمال الخيرية رغم آثارها الاقتصادية الكبيرة وبذلك تصبح النساء ربات البيوت في عداد الأفراد غير العاملين ومن الواضح أن الآثار النفسية لهذا التصنيف تؤدي إلى ازدراء الأنشطة المنزلية وتشجيع النساء على التخلي عن مسؤولياتهن البيتية لصالح العمل خارج المنزل وإن عدم أخذ عمل النساء ربات البيت اللاتي لا يتلقين الأجر بالاعتبار في قائمة تصنيف الأعمال المعتبرة يمكن له أن يحمل هذه الرسالة، وهي أن قيمة عمل ربة البيت هي صفر، إلا أن قيمة هذا العمل نفسه إذا كانت لقاء أجر فهي 34 بالمئة، هذا في حين وكما يقول أنتوني غيدنز ، فإن العمل المنزلي وبتقديمه خدمات مجانية تعتمد عليها كثير من القوى العاملة، يساهم في تقوية البنية الاقتصادية. ورغم عدم اهتمام الكثير من علماء الاجتماع بدراسة العمل المنزلي وتأثيراته، فإن قيمة العمل المنزلي في البلدان الصناعية وفقاً لبعض التقديرات تساوي تقريباً ما بين 25 إلى 40% من الثروة المنتجة.
وفي هذه الدراسة التي نتطرق خلالها إلى العوامل والنتائج، فإننا نهتم أحياناً ببعض الخصائص الثلاث للعمل الصناعي، وأحياناً أخرى نهتم بجميعها معاً. وعلى سبيل المثال فإن تبعات عمل المرأة على العلاقة بين الأم والأولاد تعود على الأكثر إلى عامل المسافة بين البيت ومكان العمل. وإن تأثيرات العمل على العلاقات الزوجية لها ارتباط بالخصائص الثلاث معاً حيث سوف نتطرق إلى هذه الأمور لاحقاً.
نريد في هذا المجال دراسة أسئلة عدة مهمة هي:
أولاً: ما هي أسباب توجه المرأة إلى العمل وعوامله؟
وتأتي أهمية دراسة هذا السؤال ،وبحثه من حيث الانتباه إلى تأثير بعض العوامل التي إما يتم تجاهلها عادة، أو تعتبر على درجة أقل من الأهمية، وذلك من خلال دراسة ما تم طرحه إلى الآن وما سيطرح لاحقاً وتحليله، أو الوصول إلى فهم صحيح لأسباب توجه المرأة إلى العمل وعوامله من خلال التشكيك في درجة تأثير بعض العوامل التي افترضت أنها مؤثرة للغاية، وذلك كخطوة أساس على صعيد اتخاذ سياسات مناسبة في هذا المجال.
ثانياً: ما هي تبعات عمل المرأة عليها هي بالذات وعلى الأسرة والمجتمع؟
إن من شأن دراسة هذه التبعات بدقة إصلاح التصور الموجود لدينا حول هذا الموضوع. ونظراً إلى أن كثيراً من الأبحاث لم تدرس، على نحو واف، التبعات الثقافية على صعيد التصورات، والرغبات والسلوكيات وكذلك التبعات القانونية والحقوقية لعمل المرأة. وفي الجانب الآخر، فإن التعرف على هذه التبعات يمكن له أن يؤثر على تحليلنا الديني أيضاً ، لذلك فإن الإجابة على هذا السؤال مهمة للغاية.
ثالثاً: ما هي النظرة التي يمكن لنا استخلاصها حول عمل المرأة من النصوص الدينية في ضوء خصائص هذا العمل في عالمنا المعاصر؟
إن هذا السؤال هو في الواقع أهم سؤال في هذه الدراسة. فالسؤالان السابقان، يمكن لهما أن يكونا مقدمة للإجابة عن هذا السؤال ونظراً إلى قلة الدراسات الدينية في موضوع عمل المرأة من منظور الأسباب والتبعات، فإن هذه الدراسة يمكن لها أن تشكل منطلقاً للدراسات الدينية بهذا الخصوص رغم النواقص الكثيرة التي تكتنفها.
رابعاً: ما هي السياسات التي يمكن اتخاذها في مجال عمل المرأة من منظور حكومي من المنظور الديني وحسب المفاهيم الدينية؟
يمكن لنا أن نستخلص من خلال هذه الأسئلة، أن هذه الدراسة تأتي مبدئياً في سياق تلبية حاجات النظام الإسلامي رغم أنه يمكن العامة المثقفين الاستفادة من مطالعتها. ومن الواضح، أن منهجية البحث في هذه الدراسة تعتمد على مقاربة دينية ولكن نقدية، ولا تدخل في مجال الدراسة الميدانية للموضوع.
اضافةتعليق
التعليقات