عندما أكون داخل حدود الجهل عليَّ أن أكتب بقلم رفيع جدا وألبسه فستانا مغريا بجميع الألوان على أمل أن يفهمه المهمشون الذين أصبحوا واجهة للبلاد، داخل حدود الجهل علينا أن نكتب بأقلام مزركشة حتى لا يكافئنا الأغلبية بالشتم، فتصبح كل محاولاتنا في الكتابة لإيجاد شيء ما فقدناه عن قناعة أو عنوة، شيء لم يعد ينبض في أغلبنا ولو فكرنا في إجابات الغد لن يكون لأسئلة اليوم أي معنى فقد سرقت كلماتنا منذ أول سرقة فما بقي من العاقلين إلا فئة قليلة يُعرفون على أنهم متخلفين لا يفقهون التطور والحداثة وما زلت لا أفهم ماهو مفهوم الحداثة عند الأغلبية الشاذة، حيث سرقت الأوطان ونهبت الأرواح، أصبحنا نجد في هذه السرقات عزاءً كافياً لسرقات أخرى ضاعت فيها الأخلاق، وأصبح البلد واجهته ثلة فارغة لا تحمل أي قيمة وتفرض وجودها عبر شبكات عنكبوتية مدت أصابعها عبر العالم، فيهمش فيها المعلم ويدعى التافه ليكون واجهة، يستبعد فيها المثقف ويرفع مقام المتردي لأنه يمتلك عدداً لا محدوداً على مواقع التواصل الاجتماعي متناسين أن قيمة الانسان تكمن في إحداث الفرق وهكذا أقمنا العزاء.
هل علينا حقا متابعة المؤثرين؟
في البداية دعونا نسأل من هو المؤثر؟ هل يطلق على من يملك متابعين بأعداد كبيرة، أو من يعرض تفاصيل حياته على هذه المنصات، ربما ثمة أسئلة أخرى ستدور في ذهنك عن المؤثرين، إن ظاهرة المؤثرين موجودة منذ بداية الإنسانية، إذ كان الإنسان ينظر إلى شخصيات بارزة في المجتمع كشيخ القبيلة أو كبير العائلة أو الملوك وغيرهم، بأنهم الشخصيات التي يتأثر بها، لما لهم من دور كبير في متابعة شؤون الناس، والفصل فيما بينهم من خلافات، والوقوف على مصالحهم، وصولا إلى المطربين والممثلين الذين تأثر الناس بهم من خلال وسائل الاتصال التقليدية، وشهدت الطريقة التي يحصل بها الناس على معلوماتهم ومنتجاتهم تغيرا هائلا مع ظهور الإنترنت، وبروز وسائل التواصل الاجتماعي كأحد أبرز وسائل الاتصال الحديثة، حيث ظهر مصطلح جديد وهو المؤثرون، ويطلق على من يملكون عدداً من المتابعين على هذه الوسائل بصرف النظر عن السبب الذي تابعوه من أجله، حيث مكنتهم من المشاركة المتواصلة والسريعة مع الجمهور، وتفاعله مع ما ينشرونه ويعرضونه من خلال حساباتهم على هذه المنصات، ويمكن القول إن المؤثر هو شخص مميز في طرحه للمحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، باستخدام أسلوب قريب من جمهوره ومتفاعل معه، وبمشاركتهم المواضيع التي يحتاجونها ومناسباتهم المختلفة، مما يساهم في زيادة متابعيه، ولكن الحقيقة لدى الأغلبية اختلفت وأصبح المؤثرون هم أشخاص يعرضون حياتهم اليومية بكل تفاصيلها مايجعلني أتساءل، ما الفائدة من معرفة فطور فلانة وغداء فلان وإلى تبعات غير محمودة من المواضيع التي لا تشبع ولا تغني.
حيث أصبح عدد هائل من العرب يقبلون بشكل فظيع على اللهث وراء الفضائح والفيديوهات غير الهادفة التي لا تعدو أن تكون ترفيهية لكن بشكل مبالغ فيه، فلن يستطيع أولئك المغمورون أن يصيروا نجوما من لا شيء لولا متابعتنا لهم ونشرنا لأعمالهم، لتصبح عقولنا لا تتماشى كثيرا مع الفكر والقراءة لكنها تجد ضالتها في إشباع حاجاتها من خلال الإقبال على الأعمال التي توصف بالتافهة مثل متابعة أشخاص اكتسبوا شهرة من فعل جنوني أو من فضيحة اقترفوها أو حتى عمل غبي أوصلهم إلى قائمة الأعلى مشاهدة على منصات التواصل الاجتماعي.
ففي الوقت الذي أصبح كل منا يملك كاميرا ويصور كل شيء يكون مرشحا لأن يصبح نجما من لا شيء، مثلا يكفي أن يقول كلاما مضحكا يستحسنه زوار مواقع التواصل للسخرية منه ويتم نشره على نطاق أوسع لكن هذا لا يعني أن الأمر بريء مطلقا، فقد تعتزم حكومات معينة تغذية المواد التافهة لكي يزداد "تردي الأخلاق" لدى أغلب مكونات شعوبها وهو الهدف الرئيسي فما الأمم شيء دون أخلاقها.
انتبهوا يا أولي الألباب:
علينا التوقف عن المساهمة في ارتفاع نسب الهزالة الاجتماعية ونعرض عن اتباع الفضائح والخوض في تتبع أعراض الغير، فالنفس البشرية مجبولة على حب اتباع هوى الفضائح وحشر الأنف فيما لا ينفعها فقد أفلح من زكاها وكل اهتمام بمحتوى تافه لن يخدم إلا مبايعة شخص غير مفيد لكي يأخذ اهتمام الصحف والمواقع ويصبح نجما على عرش مستنقع من السخافة تغذيه بعض الصحافة التي لا يهمها سوى ربح المال.
فكل إنسان يفكر بوعي عليه ألا يضيع وقته وفكره في متابعة فضائح وسخافات وألا يكون مساهما في تدني المستوى الثقافي فلا تدع الحمقى مشاهير وقدوات، ولايدع أطفاله أبن يكون شخصا منحرفا هو قدوتهم في الحياة وأن تبنى شخصياتهم على فعل سخيف عوض أن يكون قدوتهم الأخلاق الحسنة التي جاء بها سيد الخلق أجمعين محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
اضافةتعليق
التعليقات