تحِلُّ المراسلات الإلكترونية في حياتنا اليوم محلّ الصدارة، فلم يبق شخص على وجه هذه البسيطة لم يعتمد هذا النوع من التواصل، حتى الأطفال اللذين لا يعرفون القراءة والكتابة، يستخدمون المراسلات الإلكترونية لإرسال رموز تعبيرية أو صور بشكل عشوائي.
مثلما يتميز كل شخص منا بخط وطريقة كتابة يدوية مختلفة كذلك ينطبق الأمر على التراسل الإلكتروني حيث يستخدم كلاً منّا أسلوبه الخاص، ومن خلال التواصل مع أشخاص مختلفين ومتعددين يمكن التمييز بسهولة بينهم، فهنالك من يعتني بكتابته بشكل بالغ الدقة حتى ولو جعله ذلك يتأخر في الرد، يكتب الحركات على كل كلمة، يضع الفواصل والفوارز في مكانها الصحيح تماماً، ولقد صادفني شخصياً هكذا نوع، لدرجة إن القارئ لرسائلهم يمكنه أن يُلاحظ مقدار الجُهد الذي تكبّده صاحب الرسالة لتظهر بهذا الكمال. وهنالك نوع آخر يهتم بكتابته بدرجة أقل، فهو يستخدم الحركات الإعرابية والتنقيط بشكل عقلاني طبيعي بحيث تتنظم الفكرة المُراد توصيلها بشكل شامل.
نوع آخر لا يهتم مطلقاً لهذه الكماليات، المهم أن يكتب بشكل واضح ويُوصل ما يُريد إيصاله. من جهةٍ أخرى، يمارس البعض أساليب تثير الغضب، مثل إرسال كل كلمة برسالة منفصلة، ولك أن تتخيل كم هو مؤلم صوت الإشعارات وهي تتكرر 50 مرة في دقيقة واحدة. ومنهم من يكتب بشكل ركيك لدرجة إنك تحتاج لأن تتمعن في الكلام لتفهم فكرته أو ماذا يقصد بهذه الكلمة أو تلك، أو إنه يكون مستعجلاً جداً فيكتب بأخطاء إملائية فادحة، لا تدري هل تضحك عليها أم تحاول فك شيفرتها!.
إنَّ الاعتناء بنمط الكتابة في المراسلات الإلكترونية بات واجباً لا خَيار، فهي وسيلة تواصل جامدة ميتة، لا تنقل نبرة الصوت ولا ابتسامة الوجه ولا لحن الكلمات التي تُكتب، فقد تبدو الـ (مرحباً) المجرّدة من أي إضافات، ثقيلة وصاحبها متجهم الوجه، بينما تبدو لآخر قادمة من شخص مبتسم ومتفائل ومشرق! وهلُّم جراً، ينطبق الأمر على كل الكلمات الأخرى خلال المحادثة، فكل شيء قابل للتأويل، وهذا ما يُمكن أن يُدخل المرء في مشاكل لا حصر لها، خاصةً مع الأشخاص اللذين يولون أهمية كبيرة للتواصل النصيّ إلكترونياً.
يمكن أن يتسبب الأمر بتغيير مزاج كامل للأسوأ أو للأفضل، وكذلك قد يُنشب مشكلة تودي إلى جِدال، أو خصام أو حتى قطيعة بسبب كلمات غير منطوقة وحمّالة أوجه. يتجنب معظم الناس هذه الأزمة بإضافة رموز تعبيرية وملصقات، أو حتى تنقيط مناسب، حيث تبدو جملة (أفتقدك) المجرّدة مختلفة عن (أفتقدك.) وكذلك تختلف عن (أفتقدك...) لا يمكن تخيّل كيف لنقطة أو ثلاث أن تجعل نكهة الحديث كله مختلف.
أصبح الهاتف اليوم يقوم بأبرز المَهام، نقرات سريعة وتستطيع كتابة كل أفكارك، يساعدك في ذلك تنبؤ لوحة المفاتيح، والتصحيح التلقائي للأخطاء والكثير من التسهيلات الأخرى ولا يستطيع أحد أن ينكر أن التطور التكنولوجي بسّط الكثير من جوانب الحياة الحاضرة، خاصةً مع استمرار الشركات المصنعة لتطبيقات المراسلات بإضافة مزايا جديدة ومتطورة مع كل تحديث، إلا إنه على صعيد آخر جمّد العديد من مُتع الحياة، أفسد نكهة التواصل الفعليّ، الاهتمام المخلص، والمحبة النقية، حيث يمكن للمراسلة الإلكترونية اليوم أن توصل رسائل مزيّفة، عبارات لا أساس لها من الصحة، اهتمام مصطنع، ورموز تعبيرية مخادعة تَبرمج العقل على ربطها بمشاعر ثابتة، فلا يمكن لشخص أن يضع رمز قلبٍ أحمر إلا وهو يحبك بالفعل، ولا قلبٌ أبيض إلا وهو يشعر معك بالسلام، كما يُعتقد.
تختلف النوايا والأفكار البشرية اختلافاً كبيراً، لكن التعامل مع هذا النوع الجديد من المراسلة بات أمراً حتمياً لا مناص منه، والحذر فيه أصبح واجباً على كلٍ منا، فكلمة واحدة، نقطة واحدة، ورمز تعبيريّ واحد كفيلٌ بقلب الأمور رأساً على عقب.
اضافةتعليق
التعليقات