خلال سيرة الإمام الشيرازي الراحل الذي عرف في حياته الإهتمام بقضايا المسلمين ومتابعة الأحداث حتى أنه كان يتابع أخبار العالم الإسلامي في أفريقيا والصومال ويمد لهم يد العون والمساعدة وسعيه الدؤوب عبر القول والفعل والعمل المستمر لتقديم الحلول لهذه المشاكل ومنها الفقر والظلم.
وتشهد على ذلك كتاباته وخطبه وفتاويه التي أظهر فيها معرفته التفصيلية بمشاكل المسلمين وحجم معاناتهم، بحيث لا توجد قضية إلا والإمام كتب أو نشر عنها، ثم يقدم الحلول المقترحة لهذه القضية.
ولم يكن ليكتفي بذلك بل كان يطلب من زواره من الطلبة والعلماء، ويلح عليهم لبحث هذه المشاكل ودراستها دراسة علمية، ومحاولة إيجاد الحلول الناجعة لها.
على رغم مشاغله الكثيرة في التدريس والتأليف ومتابعة قضايا المرجعية، إلا أن ذلك كله لم يكن ليشغله عن موضوع دون آخر.
ومن القضايا أو المشكلات الإسلامية المعاصرة التي شغلت فكر السيد المرجع واستحوذت على اهتمامه، وأولاها عناية خاصة، القضية الفلسطينية أو مشكلة الصراع العربي والإسلامي مع الكيان الصهيوني الغاصب والمحتل لأرض فلسطين.
لقد كتب السيد المرجع قبل أكثر من ثلاثة عقود كتابه (هؤلاء اليهود) إيماناً منه بأن كشف حقيقة هؤلاء الغاصبين لفلسطين، وبيان انحرافهم العقائدي وطموحاتهم الاستعمارية، جزء لا يتجزأ من الحرب الإعلامية ضدهم، لتعريف المسلمين بحقيقتهم وما يضمرون من شر وحقد للإسلام وأهله، وهذا ما يجعل المسلمين يحذرون من سياساتهم المضللة ومكرهم الذي تنهد منه الجبال، ولكي لا ينخدعوا بما يروج له هؤلاء الصهاينة وأتباعهم ومؤسساتهم الإعلامية في أوروبا وأمريكا من أفكار وعقائد هدامة للأخلاق وللقيم والعقائد الدينية بمسميات وشعارات مختلفة، لكن هدفها واحد هو إشاعة الفساد في المجتمعات الإسلامية وهدمها من الداخل.
كما أصدر (قدس سره) فتواه التاريخية التي حرم فيها بيع أو شراء البضائع الإسرائيلية، ولما وصلت إلى مسامعه أخبار الإعتداءات الإسرائيلية على المسلمين في جنوب لبنان أصدر بياناً أدان فيه هذه الإعتداءات ودعا إلى مساعدة المتضررين من هذه الاعتداءات، وأجاز دفع نصف الحقوق الشرعية (خاصة سهم الإمام) لخدمة هؤلاء المؤمنين الذين على حد قوله: (شردوا من ديارهم وأصيبوا بأهليهم وأموالهم) كما ألقى محاضرة على أساتذة وطلبة الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة، تحدث فيها عن مصير الصلح بين العرب وإسرائيل، وهل سيكتب له البقاء أم لا؟!.
كما تحدث عن دعوات السلام التي يروج لها الإعلام الصهيوني والعربي كذلك، مستشرفاً المستقبل، مطالباً الأمة الإسلامية بتحقيق شروط الإنتصار، والتزام السنن والقوانين الإلهية.
ومن خلال هذه الكتابات والمواقف نجد أن السيد المرجع ينطلق من رؤية واضحة لتفاصيل موضوع الصراع مع الصهاينة الغاصبين، وجذوره وآثاره الحالية والمستقبلية، وهذا ما سنحاول الكشف عنه من خلال قراءة في هذه الكتابات لمعرفة موقف السيد المرجع (قده) من هذه القضية الشائكة، وكيف نظر إلى أسبابها، وما هي اجتهاداته التي قدمها لحلها، من خلال تأصيله للموقف الإسلامي من طبيعة الصراع مع اليهود الصهاينة، وموقف هؤلاء من الإسلام والمسلمين، والواجب الشرعي تجاههم كأعداء ومستعمرين وكذلك الموقف الإسلامي منهم كأقلية يمكنها أن تعيش تحت ظل الحكم الإسلامي.
كشف حقيقة اليهود الصهاينة
1- اليهود اليوم ليسوا هم قوم موسى، لابد عند خوض أي معركة ضد أي معتقد غاشم، من أن يتم التركيز على مجموعة الأفكار أو العقائد التي ينطلق منها هذا العدو والتي تبرر عدوانه، لبيان فسادها وبعدها عن الحق والعدل، والكيان الصهيوني قام في فلسطين على مجموعة من الأساطير والخرافات التي ليست لها حقيقة إلا في خيال هؤلاء الصهاينة المريض؛ لذلك لابد من فضح منطلقاتهم الفكرية الضالة والمنحرفة، كجزء من الحرب عليهم، وتعريف من لا يعرفهم بحقيقتهم، وتنبيه الجهال والسذج والمغرر بهم من قبل الإعلام الصهيوني..
ويمكن التأكيد بأن اليهود اليوم ينحدرون في غالبيتهم من هذا الشعب المغولي خاصة، وأن اليهود الأصليين الذي ينتمون إلى القبائل الإسرائيلية (الإثنتي عشرة) في التاريخ القديم قد ضاعت آثارهم كما أكد المؤرخ ارشوركوستلر في كتابه (القبيلة الثالثة عشرة).
كما تتبع المرجع الشيرازي مزاعم اليهود حول أسطورة الشتات وكيف أن هذا الشتات التاريخي حال بينهم وبين رجوعهم إلى أرض الميعاد، مؤكداً أن الحقيقة بخلاف ذلك، فالكثير منهم هاجر بحثاً عن الرزق، إلى أن انتهى وجودهم في فلسطين في القرن السادس قبل الميلاد.
2- انحرافهم الديني:
تحدث السيد المرجع (قده) في كتابه (هؤلاء اليهود) عن تحريف اليهود للتوراة المنزلة على موسى (ع)، وقد أكد القرآن ذلك عندما كشف عن طريقة تحريفهم للوحي، يقول عز من قائل: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم، ثم يقولون هذا من عند الله، ليشتروا به ثمناً قليلاً).
ويظهر تحريفهم وانحرافهم بشكل واضح في عقيدتهم وتصويرهم للإله؛ فهو عندهم (في صورة إنسان وله شعر ولباس وله رجلان ويمشي كما يمشي سائر أفراد الإنسان والحيوان، وهو جاهل لا يميز بين أبواب بيوت المؤمنين وبيوت الكافرين وأحياناً يندم على بعض أفعاله، وأحياناً يحزن ويتأسف على بعض أعماله)، وغيرها من العقائد المنحرفة والصفات التي يتنزه الله سبحانه وتعالى عنها، وقد نقلها السيد المرجع من (أسفار العهد القديم) ورد عليها منزهاً الله عما وصفه هؤلاء المحرفون للتوراة.
أما الأنبياء فلم يسلموا أيضاً من كذبهم وافتراءاتهم وقد وصفوهم بصفات يتنزه عن فعلها أو الإتصاف بها عامة الناس، فما بالك بالأنبياء والرسل الذين اختارهم الله عز وجل لتبليغ رسالاته وتعليم الأمم الأخلاق الفاضلة، وإرشادهم لسلوك طريق الهداية والرشاد، لقد ادعوا على بعض الأنبياء الزنا واتهموهم بالخداع والقتل وفعل المحرمات، بل إنهم يبنون للأصنام بيوتاً، كما جاء في الإصحاح الحادي عشر، سفر الملوك وعندما يصف هؤلاء اليهود أنبياء الله الذين يفترض أن يكونوا قدوة للبشرية بهذه الصفات والأخلاق، فإنهم بذلك (يبررون موقفهم من كل عمل يرتكبونه.. فلا حرج عليهم، فقد فعل أنبياؤهم أكثر من ذلك؟!).
ومن النصوص التي ذكرها السيد الشيرازي (قده) وتكشف عن مخططات هؤلاء اليهود الصهاينة وتغلغلهم في دوائر السياسة والاقتصاد العالمي وسعيهم للسيطرة على العالم، ما جاء في البروتوكول الرابع: (هذا هو السبب الذي يحتم علينا أن ننتزع فكرة الله ذاتها من عقول المسيحيين، وأن نضع مكانها عمليات حسابية وضرورية مادية، ثم لكي نحول عقول المسيحيين عن سياستنا، سيكون حتماً علينا أن نبقيهم منهمكين في الصناعة والتجارة، وهكذا ستنصرف كل الأمم إلى مصالحها، ولن تفطن في هذا الصراع العالمي إلى عدوها المشترك.
إن الحرب الإعلامية مهمة جداً لأن اليهود يستغلون الإعلام العالمي وينفقون الملايين من أجل تزييف الحقائق وإلباس الحق ثوب الباطل والعكس كذلك. وقد استطاعوا أن يقنعوا الكثير من الشعوب بعقائد وأفكار ونظريات هدامة ومنحرفة، لذلك لابد للمسلمين من فضحهم وكشف خبايا ما يخططون له. ثم الاستعداد الحقيقي لمواجهتهم وطردهم من فلسطين. وليس إقامة السلام معهم أو التفريط بالأرض التي اغتصبوها وسرقوها من أصحابها تحت جنح الظلام وبأساليب الخداع والمكر تارة وبالترهيب والقتل تارة أخرى، حتى هرب أصحابها الأصليون واستحوذ عليها هؤلاء المجرمون وأنشأوا عليها كيانهم ودولتهم العنصرية..
سبب ضياع فلسطين
وكما تحدث السيد الراحل عن انحراف اليهود الديني وضلالهم العقائدي وسعيهم لإفساد العالم من أجل السيطرة عليه واستعباد شعوبه، تحدث كذلك عن تاريخ فلسطين وأسباب ضياعها من يد المسلمين واستعمارها من قبل البريطانيين ثم اليهود بعد ذلك. وأهم هذه الأسباب في نظره هي: الإدارة الفاسدة للدولة العثمانية وانشغالها عن الدفاع عن الأراضي الإسلامية التي كانت تحت سلطتها، وعدم اهتمام هذه السلطة بأسباب النهضة والقوة التي جعلت الأوروبيين يزحفون على أراضي الإسلام فيستعمرونها ومن ثم يساعدون اليهود الصهاينة في إقامة دولة لهم على أرض فلسطين، وتخلف المسلمين ككل وعدم أخذهم بأسباب القوة والحضارة؛ الأمر الذي جعل اليهود يتفوقون عليهم عسكرياً واقتصادياً، بالإضافة إلى جهل من كان يسكن في فلسطين من حكام ومواطنين، بمخططات هؤلاء اليهود الماكرين، الذين شجعوا الكثير من المزارعين على بيع أراضيهم لهم؛ فتمكنوا بذلك من شراء أملاك وأراضٍ كثيرة انطلقوا منها للسيطرة على الباقي.
أما لماذا لم تتحرر فلسطين لحد الآن بعد نصف قرن من استعمارها؟
فالسيد الشيرازي الراحل يرى أن ذلك يرجع لعدة أسباب، أولاً: إقصاء المسلمين عن المعركة بسبب الأفكار الاستعمارية التي بثها فيهم الاستعمار مثل القومية والجغرافية والقطرية والتي جعلت كل بلد أو منطقة لا تهتم بمشاكل المنطقة الأخرى. أما المسلمون العرب فإنهم حسب سماحة السيد لم يدخلوا المعركة بعد كشعوب بكل أبعادها ومفاهيمها، لأن حكامهم منعوهم من التدخل بالحديد والنار.
والسبب المهم هو تخاذل الحكومات والأنظمة العربية الموزعة بين الخوف من أوروبا وأمريكا أو العمالة لهؤلاء. لكن رغم كل ذلك فالسيد الراحل (قده) يرى بأن انتصار إسرائيل على العرب والمسلمين لن يكون أبدياً، لأن شعوب العالم ستعرف في نهاية المطاف من هم هؤلاء اليهود الأشرار الذين يعملون على خراب العالم، أما المسلمون فعليهم أن يتجهوا لحكم الإسلام وأن يتحرروا من التبعية السياسية والإقتصادية للغرب وأن يبنوا لأنفسهم القوة الكافية للدخول في مواجهة مع هذا الكيان الغاصب وسيكون النصر نصيبهم إذا هم أعدوا العدة الشاملة وسلكوا السنن الإلهية لتحقيق النصر.
اضافةتعليق
التعليقات