مر عام على الطوفان الذي غير وجه العالم، الطوفان الذين كسر أعتى السرديات التي قد كانت مسلم بها حينها، الطوفان الذي فضح الدولة الأكثر ديمقراطية في الشرق الأوسط على حد قولهم، وعرّف العالم حقيقة الكيان الغاصب الذي يدعي التحضر والإنسانية ويسمي نفسه قائداً للسلام.
وما كان ذلك ليحدث لولا الإعلام، لقد قام الإعلام المؤسساتي والإعلام الاجتماعي بدور فاعل لنشر الوعي، وكان للحدث خصائص تجعل من النقل الإعلامي له تحدياً، ومن هذه التحديات:
- المخاطرة العالية لتغطية العدوان الجائر: فالصحفي لا يغطي أخبار المؤتمرات التي تجري في قاعات مريحة، إنه يغطي أخبار القصف، المسيرات، الاجتياح، الجثث المحترقة، أخبار استشهاد أسرته وأصدقائه، إنه يخاطر بحياته وبروحه وبقلبه في كل مرة يقرر فيها أن يكون صحفياً.
- الصحفي لن يكون سوى صحفي: الحرب تحدث في كل وقت ومكان، ليس بإمكانه النوم لفترة كافية، أو الاحتماء في الأماكن الآمنة، أو تناول وجبة هانئة، أو البقاء مع أسرته، هو صحفي أخذه عمله بعيداً جداً عن الأمان ولن يتوقف حتى لو شعر بكل الآلام النفسية والجسدية… لم يعد إنساناً بل هو صحفي.
- طبيعة القضية: القضية نفسها لا تحظى باهتمام عالمي، كان على الصحفي أن يقنع العالم إن هناك عدوان، وإن هذا العدوان يستهدف الجميع، وإن الذين يستشهدون ليسوا أرقاماً، وإن كونهم مسلمين وعرب لا يجعل منهم إرهابيين وحيوانات ويستحقون الموت، ببساطة كان عليه أن يحارب عقوداً من تشويه الصورة بالإضافة إلى نقل الخبر.
- تحديات متعلقة بقصف محطات الكهرباء والإنترنت، ومحطات البث، مما يصعب عملية إيصال الخبر بسهولة ويسر.
- عدم وجود خطط بعيدة المدى لاحتواء أحداث مثل هذه إعلامياً، وقد كان طوفان الأقصى حدثاً مفاجئاً تعين على وسائل الإعلام رسم سياسات جديدة.
- اختلاف حجم التمويل: الأموال التي يصرفها الكيان الغاصب لصنع صورة جيدة عن نفسه وقيادة حرب نفسية هائلة وهو مدعوم من أمريكا وأوروبا، لا تقارن هذه الميزانية بما يتاح لصحفيي غزة.
- الضغوط الشديدة التي يمر بها الصحفي بصفته إنساناً: إنها حرب، الحرب لا تفرق بين صحفي وإنسان، وهذا الصحفي محاصر أيضاً، يلاحظ تساقط أحبته، ينهكه الحزن والفراق، يقعده الجوع والعطش، إنه ليس بآلة.
- استهداف الصحفيين: إن مما لا يخفى على أحد الخطة الممنهجة لاستهداف الصحفيين وعوائلهم لإسكات أصواتهم، فالصحفي لا يغامر بنفسه بل بكل عائلته… كونه صحفي يسلب من عائلته الأمان أيضاَ.
ورغم ذلك استطاع الإعلام أن يحقق إنجازات ضخمة بفضل الثقافة العامة والإعلامية العالية المنتشرة بين أفراد الشعب على اختلاف أعمارهم ومهنهم، وهذا ساعد في نقل القضية بصورة أكثر كفاءة.
لكن ماذا قدم الإعلام للقضية؟
- استطاع الإعلام أن يقدم ساعات من البث المباشر المستمر وعلى مدى عام وبعدد من اللغات، حتى أصبحت ساعات البث هذه أدوات تواصل واستطاع الأفراد الاطمئنان على بعضهم البعض من خلالها عندما انقطعت الاتصالات تماماً في غزة واشتد الحصار.
- قدم قرابة مئتي شهيد حتى اللحظة التي يكتب بها هذا المقال، وقرابة ألف من الجراحى والمصابون إصابات تفقدهم أحد أعضاء الحس أو الأطراف.
- مكن من رفع صوت ما يجري في غزة بزخم لم يسبق له مثيل.
- استطاع الصحفيون حتى الهواة منهم وبشكل فردي تحريك حكومات، لقد وصل صوتهم إلى أبعد الحدود، وقاموا بمهمة التثقيف عن القضية وأبعادها التأريخية.
- استخدم كل التقنيات المتاحة لنقل المذابح صوتاً وصورة وبشكل مباشر لتكون شاهداً تأريخياً ووثائق لا يمكن التشكيك بها، وحجة على كل صامت.
- ساهم في أشكال منه في رفع الروح المعنوية، وإرشاد المساندين عالمياً إلى الخطوات الدعم الأمثل، وكيفية التحرك وفق المجريات المتغيرة.
- استطاع – ومن خارج أرض الحرب - أن يكشف أقنعة الحكومات الغربية والمنظمات الإنسانية التي تجلت في التعامل مع المظاهرات الطلابية وقمعها.
مر عام، لم يكن الإعلام مثالياً، لكنه قام بما استطاع القيام به، مسخراً كل الوسائل، وتحول الأفراد أيضاً إلى صحفيين ناقلين للحقيقة، وشاركوا أوجاعهم، مطالبهم، أحلامهم، مخاوفهم، لعل أحداً يتحرك، ولم يتحرك إلا قلة.
ومهما كانت هنات الإعلام، فنحن ندرك إن الخلل كان أكبر من وسائل الإعلام، لقد كان في الصمت واستمراره، كان في التعاطي السطحي مع ما نشاهد وكأنه مسلسل، كان في غياب الصوت الرافض للظلم، والمطالب بإيقاف العدوان… لكننا أكثر غضباً وإحباطاً من تحمل مواجهة الحقيقة والاعتراف بذلك، لذلك كان للإعلام الحصة الأكبر من الغضب المسال حمماً.
اضافةتعليق
التعليقات