حينما يمضي بك العمر تدرك المعنى الحقيقي لبعض قرارات حياتك إن كنت اتخذتها عن قناعة أم وفق رغبة من حولك، ومنها مفهوم الحب وحدوده..
يسترسل ثامر حميد 41 سنة (مهندس) كلامه فيقول: حينما أصر أبي أن أتزوج من ابنة أخيه رافضاً اقتراني بزميلة لي في الجامعة، مدعيا انها لا تناسبني، وهذه الفتاة لن تكن زوجة كفؤ لي، كان قراره حاسما غير قابل للنقاش، أخبرته باني احبها وأريدها بالحلال وأتزوجها، أجابني هذه مشاعر رغبة ليس إلا وان الحب حرام ونهرني عن ذكر هذا الأمر مرة أخرى.
أصررت على قراري لكنه أوكل لي أخوتي بإقناعي بان هذه الفتاة لا تناسبني تحت أسباب تصل إلى حد الإقناع، بيني وبين نفسي اشعر بتلك المشاعر النبيلة ولم أفكر بها كما ادعى أبي، كنت شابا يافعا و لم أفكر أن اسألها إن كانت تستطيع مجارات اسرتي على عاداتهم لفترة من الزمن إلى أن يكون لي دخلي الخاص حتى نعيش بعدها حياتنا كما نريد نحن، انطوت السنوات وما زلت ابحث عن تلك المشاعر التي افتقدها بزواجي من بنت العم، أتمنى أن يعود الزمن أدراجه حتى أتزوج بمن أردت فليس هناك دين يمنع الحب من وجهة نظري أنا اذا كلل وتوّج بالعقد الشرعي والزواج، لان الدين الإسلامي دين رحمة وود، فطالما نظروا للحب من نوافذ معتمة، ومنهم من تنكر لتلك المشاعر، ومنهم من حرمها باسم الدين ومنهم من شوّه فحواها.
تقول شهد عباس (محامية): لا وجود للحب في نظر الإسلام في وقتنا الحالي فقد بات الحب مجرد سلم للوصول لأهداف معينة عند اغلب الناس فهم يدعون الحب لينالوا ما يبغون إن كانت لهم مصالح شخصية، انقطعت صديقتي التي كنت أعدها أختا لي عن محادثتي بدون مقدمات وبعد مدة من الزمن علمت أنها تزوجت بخطيبي الذي فسخ خطبتنا لأسباب اختلقها حتى ينهي تلك الخطبة ليقترن بصديقتي المقربة، وفرت له بيتا وسيارة وكل ما يحتاج من وسائل الراحة التي كنت اخطط معه على تأمينها في مستقبلنا المنشود، أدركت حينها إن مشاعر الحب أحيانا تحركها المادة، يعتريني الندم كثيرا لأني أحببت الأشخاص الخطأ.
لننشر لغة الحب
بينما قال الشاعر حيدر ساجت: إن الحب لا يقتصر على اثنين بل القاعدة أن نحب بعضنا لبعض، فلننشر لغة الحب والتسامح وحب الخير عبر تعزيز الثقة بالآخر والابتسامة الحلوة والكلام الجميل والمبادرة الطيبة فهذه المشاعر الجميلة تعطي للإنسانية معناها الحقيقي، فلنحب بعضنا البعض وننشر حياة السلم الاجتماعي بلغة الحب.
تحليل نفسي
زهراء حسن أمين قاسم (بكالوريوس علم النفس) حدثتنا عن الحب بين الناس حيث قالت: للحب معانٍ عظيمة وتعاريف عديدة تختلف من شخص لآخر فكل محب لديه تصور وتعريف خاص لمعنى الحب.
وهذه المساحة مطروحة لمحاولة الوصول إلى أجمل وأعمق تعريف لمعنى الحب، وهو من النعم الجسيمة التي انعم الله بها علينا وهي نعمة الحياة الحقيقية التي ﻻ نستطيع العيش دونها، ومن خلاله نستطيع صنع المعجزات ولكن يجب أن يولد معه توأم آخر وملاصق له وهو حقيبة المشاعر الصادقة التي تحمل هذا الدر.
ويجب البحث بأبعاده وجوانبه ﻻجل ضمان استمراريته ويحتاج إلى حماية من فيروسات وآفات التقاليد المجتمعية التي تتسبب بهدمه وضعفه وﻻ تستطيع قتله ﻻنه وليد معنا ويبقى معنا رغما عنا و ﻻ نستطيع الاستغناء عنه ما دمنا نعيش ونحيا.
وهو يحتاج منا التضحية بدون قياس وبدون ترجح وبدون أنانية ويكتمل بإيثار منا.
وأضافت: ان في الحب تعلو النفس الإنسانية وترتقي أكثر حتى تلغى الكثير من الموازين التي كانت تحجم النفس وفق أعراف من ضمنها عزة النفس والكبرياء وعدم التسامح، وهو إحساس بالحياة الحقيقية التي اغلب الناس يجهلونها وﻻ يعرفون طريقها حيث يضعون الأغلال في أحاسيسهم بحجة حرمة هذا الشيء، يجب أن نتعلم الحب من خالقنا وهو أفضل معلم، فنلاحظ إن الله سبحانه وتعالى أحب عباده جميعا لم يخصص حبه إلى فئة معينة والدليل هو إن جميع اﻻديان والمذاهب منعمة بنعم الله سبحانه وتعالى وسخر الكون لهم بدون استثناء.
فالحب لا ينحصر في زاوية ضيقة بين العلاقات العاطفية التي يعيشها الرجل والمرأة، فحب الله إلى العبد وحب العبد لله حبنا لبلدنا ولذوينا ولأصدقائنا، وهنا يكمن حب الإنسانية بكل مضامينها ومعانيها، ومن اجل الحب ندافع عن الوطن وبالحب تكون الحياة حيث ﻻ حياة دون حب فسر الحياة الحقيقي وجوهرها وسحرها وجمالها الحقيقي هو الحب.
وشاركنا (استاذ علم النفس) عبد عون المسعودي: يقول علم النفس الإنساني إن الحب هو العلاقة العميقة بين اثنين أو أكثر والتي ترتكز على ثلاثة أركان أولها التوحد وهو تقارب الأفكار والاتجاهات والميول ومن بعدها يأتي الاهتمام وهو ما يبديه طرف بطرف آخر من الاهتمام والرعاية والتواصل وأخيرا الإخلاص والأمانة، وهو صدق العلاقة التي تستمد ديمومتها من إخلاص وأمانة الطرفين لبعضهما وهذه النقاط تنطبق على كل العلاقات بين الأصدقاء والإخوة وغيرها.
مفهوم الحب في الإسلام
الشيخ عبد الكريم هادي قال: أن مفهوم الحب واسع ويحوي أنواعا كثيرة تتدرج تحت عنوانين رئيسين هما العقل والغريزة المتضادتين، ولذا كان بعضهما واجبا وممدوحا والآخر محرما ومذموما ولعله ما يعنون بالعشق والغرام وهو قرين الجنون والضلال عندما ينحرف عن الهدفية السامية للعلاقة الإنسانية، وذلك من خلال الانصياع للنوازع الغريزية إلى حد التصور بأن المعشوق هو غاية المراد ورضاه أولى من رضا العقل وخالقه (عز وجل) فيكون هو المعبود وعلى هذا الأساس نهى عنه الخالق( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فأن الجنة هي المأوى)، أما الحب الصادق الهادف لتكوين علاقة شرف تؤسس لبناء أسرة تكون نواة لمجتمع سليم ضمن الأطر الشرعية فأنها تدخل تحت عنوان العقل فهي واجبة وممدوحة وهي قرينة المحبة الإيمانية بين المؤمنين، وبين الفرد وأسرته ولعل أسمى هذه الأنواع ما يكون من اجل مرضاة الله (عز وجل) ومنه محبة الوالدين وهو الطريق السليم نحو السعادة الأبدية وهو مبتغى العقل السليم وعاقبته جنان الخلد في ظل من لا ظل سواه.
اضافةتعليق
التعليقات