الغيرة والمنغصات والمشاكل الأسرية موجودة منذ الأزل ويكاد لايخلو بيت منها إلا ماندر، ولكن تتفاوت بحسب إدراك وثقافة أفراد الأسرة، وهناك قصة في هذا الصدد، وهي واحدة من قصص كثيرة تهدّمت أركان الأسرة بسبب مشكلة قد تكون صغيرة.
منال فتاة ثلاثينية جميلة يطغى على صفاتها بعض الغرور، كثيرة الشك والتذمر، متزوجة من شاب وسيم ومؤدب ولكن بسبب أعباء الحياة الثقيلة، ومرتبه الشهري المحدود الذي بالكاد يكفي نفقات أسرته لذلك يبدو عبوساً، ومهموما، وكان لديهما طفلان بعمر الزهور، كانت منال على خلاف دائم مع زوجها لأنها كانت تنوي الخروج من منزل أهل زوجها وتستقل بحياتها الزوجية.
ولكن الحالة المادية تحول دون ذلك، ولأن زوجها سعيد أصبح معيلا للأسرة بعد وفاة والده، وكانت من عادات العائلة الإجتماع يوم الجمعة على مائدة الطعام في بيت الجدة (أم سعيد) لأنها تعد طبخة مميزة عن باقي الأيام وتأتي أخوات سعيد لرؤية والدتهن، وبعد الانتهاء من الطعام، يجلسن الأخوات لسرد أحداث الأسبوع والظروف التي مررن بها في ذلك الأسبوع.
أما منال كانت تراقب بصمت ضحكات الأطفال وضجيجهم، ونظرات حرص وترقب خوفاً من من أن يتكلم حمواتها بكلام ضدها ويحرضن زوجها عليها، فهي تفتعل بعض الحركات كأن تظهر نفسها متعبة، أو تفتعل النعاس لكي يغادرن بسرعة.
وعندما لاحظت أم سعيد ذلك طلبت منها الصعود إلى غرفتها لترتاح، فقالت لها: ابنتي منال إصعدي إلى غرفتك لترتاحي يبدو عليك التعب، (ماعدنه أحد غريب).
وبما أن منال كانت تتحين الفرص لتثير مشكلة ما؛ ثار غضبها، وتقصدت رفع صوتها لكي يسمع زوجها سعيد المحادثة.. قالت منال وأخذت تصرخ: (شتقصدين عمة يعني أني الغريبة الوحيدة بالبيت.. هذا مو بيتي وينك سعيد، تعال أسمع موكتلك نطلع)، واستمرت تصرخ وتقول: (مو كتلك ميحبوني كلهم يكرهوني)، أسرع سعيد ليتدارك المشكلة وينهي النزاع. ثم صرخ وقال: منال كفى اذهبي لغرفتك.
قالت منال: وإذا لم أذهب لغرفتي ماذا تفعل يا سعيد!.
صرخ سعيد: اصعدي منال.
ذهبت منال لغرفتها وهي تتمتم في داخلها؛ أنا سوف أضع حدا لتلك العجوز الشمطاء ونهايتها ستكون قريبة، وأخذت تفكر في نفسها كيف تتخلص من عمتها ليخلو لها البيت، ثم تذكرت ما قالته لها جارتها (أم غفران) عن شيخ بائع أعشاب وعرّاف ويحل المشاكل الزوجية والعائلية، حينها قررت منار الذهاب (للشيخ العراف) وأن لا تؤجل هذا الأمر لأنه قد فاض بها الغيظ.
وفي الصباح الباكر استيقظت منال وذهبت للعراف وعندما اقتربت من دكان العراف (الشيخ أبو محمد) اندهشت من رؤيتها له؛ فهو شيخ وقور جالس في ركن من أركان الدكان ليحضر بعض الخلطات العلاجية ليعالج بها بعض مراجعيه من المرضى، ثم سلمت عليه وقالت: أبو محمد أنا أريد علاج لعمتي لأنها تتدخل في حياتي، وهي سبب مشاكلي مع زوجي، أريد أن تجد لي حلاً.
قال لها: سوف أصف لكِ علاجا يجعل علاقتكما تتحسن وهذه الخلافات من أعمال الشيطان يا ابنتي.
قالت منال: لا ياشيخ أريد أن أتخلص منها، لا أريد رؤيتها بعد الآن، بل أريد علاجا ساما لكي تموت ببطىء ولا أحد يشعر بذلك!.
قال لها العراف: ابنتي هذا الشيء حرام ولكن مع ذلك سوف أعطيك العلاج ولكن هناك أمر يجب أن أخبرك به، عليك الالتزام بما أقول وأن تعاملي عمتك معاملة حسنة وبرفق ولين خلال فترة العلاج حتى لا يشعر أحد بأنك تضمرين لها العداء بعد أن تموت لأنكِ سوف تكونين أول المتهمين!.
قالت منال: حسنأ ياشيخ سألتزم بكل كلمة قلتها.
عادت منال إلى البيت وقارورة الخلاص في حقيبتها، بشوشة الوجه، وتتعالى ضحكاتها وهي تداعب أطفالها، وذهبت لإعداد الطعام وتحضيره قبل وصول زوجها للمنزل، وجلست العائلة على مائدة الطعام قلبهم مليء بالسعادة، أما سعيد فهو في حيرة من أمره، ثم قال لوالدته: أنظري أمي ألم أقل لكِ منال طيبة.
نظرت والدته إلى منال ثم قالت: (طبعا ولدي احنه بيت واحد؛ بعد ما خواتك ازوجن هي أصبحت بنتي الوحيدة، وأني ماعندي غيركم بعد وفاة والدك الله يرحمه).
ولكن كان الاستغراب يبدو على سعيد ولايعرف تفسيرا لهذا التغير المفاجىء ولكن لزم الصمت والتغافل وقال في نفسه: لعل الله أصلح نفسها!.
وبدأت منال من تلك الليلة تعطي (عمتها) ذلك العقار في العصير واستمرت عليه عشرين يوما، وبدأت تشعر منال أن هناك تغير بدأ يطرأ على عمتها فهي تشاركها الأعمال المنزلية وتساعدها في تربية ابنائها، تحسنت علاقتها معها، ولم تقبل من أحد أن يسمعها كلاما جارحا، أما منال بدأت تشعر بالقلق على عمتها وتتذكر قول العراف الذي وعدها بأن مفعول الدواء سيأخذ مفعوله بعد ثلاثة اسابيع فتارة تشفق على عمتها وتقرر ايقاف اعطائها الأعشاب، وتارة تتذكر كيف كانت تعاملها العمة فتتراجع وتقول لا يجب أن لا أضعف.
وفي الجمعة الثالثة وبعد انتهاء العائلة من فترة الغداء، كان يبدو على أم سعيد التعب ووقعت مغشيا عليها فنقلت إلى غرفتها على الفور وأسرع ابنها سعيد وأحضر لها الطبيب، أما منال بدأت بالبكاء والنحيب خوفا على عمتها وبدأت تلوم نفسها على مافعلته بها، وكانت تنتظر تشخيص الطبيب عن حالتها وتقول عسى ولعل يكون إعياءً بسيطاً، خرج الطبيب وبدأ يخبر سعيد وزوجته عن حالة والدته وهو يقول: لا أعرف، أمر عجيب، ضغطها طبيعي ونبضها طبيعي، لاتشكو من شيء، فقط ارتفاع بسيط في درجة الحرارة، ولكن لا أعرف، حالتها غير مستقرة.
ذهبت منال إلى غرفتها وأخذت تصلي وتناجي الله أن لايحصل لها مكروه وشعرت بالندم على كل مافعلت وهي تقول: يا الهي أنا لست مجرمة، عفوك يارب عفوك إرحمني، وأخذت تستغفر واخذ الندم يعصر قلبها، لهذا قررت في صباح اليوم التالي أن ترجع إلى (الشيخ العراف) وتطلب منه علاجا يشفي عمتها ويخلصها من الأعشاب السامة التي أعطاها إياها لقتل (أم سعيد).
أصبحت ساعات تلك الليلة طويلة ومملة على منال فاستغلتها بالإستغفار والتوسل وطلب التوبة والمغفرة من الله وطلب الشفاء لعمتها، استيقظت مبكرأ وأعدت الافطار لعمتها المريضة وهي مشفقة عليها، ثم قالت لزوجها: سعيد أحتاج بعض الحاجيات من السوق، هذا ليتسنى لها الخروج من المنزل، وفعلا ذهبت إلى الشيخ العراف (أبو محمد) وهي تتلعثم وتقول: أرجوك يا شيخ، ساعدني، عمتي!! تبسم هو ويقول: دعيني أجيب بدلا عنكِ، تريدين التراجع عن قتل عمتك؟!.
فقالت منال: وكيف علمت بذلك؟!
فقال لها: ألا تعلمين أني عراف، ثم ضحك وقال: ولكن يا ابنتي لايعلم الغيب إلا الله.
فقالت منال: سيدي، عمتي امرأة كبيرة وأنا كنت أستفزها بكلماتي الجارحة وطلباتي الثقيلة، وأصبحت الآن جيدة التعامل معي، وزوجي مرتاح ورجعت الإبتسامة تعلو وجهه عندما تفاهمنا وأصبحنا أسرة سعيدة وقلب واحد، واليوم عمتي فاقدة الوعي بين الحياة والموت، وأنا أخاف الله، لا أعرف كيف طلبت ذلك منك، ساعدني أسالك بعزة الله أن تساعدني.
سكت العراف لوهلة وهو مبتسم ثم رد عليها قائلاً: يا ابنتي هل رأيتِ مني رجلاً قاتلاً بعد هذه الشيبة، أنا رجل طاعن في السن وكل أملي ومطلبي رضا الله عني.
قالت منال: ولكن يا شيخ عمتي مريضة بسبب الأعشاب التي أنا وضعتها لها بالعصير.
أجاب الشيخ قائلاً: فعلا بسبب العلاج الذي في العصير ولكن أنا لم اعطيكي سماً! أنا وبعدما رأيتُ تصميمكِ على قتل عمتكِ خفتُ عليكِ أن تذهبي لعراف أو دجالٍ آخر لايخاف الله فيكِ ويحضّرُ لكِ سمأ حقيقيا قاتلا، فتخسري حياتك وحياة امرأة طاعنةٌ في السن قد يكرمك الله لمجرد اطعامها والأهتمام فيها، وكنت متأكدا أنكِ عاجلا أم آجلأ ستتراجعي عن موقفك فإن الغضب من فعل الشيطان الرجيم يا ابنتي. فأعطيتكِ علاجا من بعض الأعشاب المقوية إذا زاد استعمالها عن الحد الطبيعي يصبح لدى الشخص إعياء وكأنه فاقد للوعي، إقطعي العلاج منها واعطيها بعض السوائل وستعود عمتك لصحتها كما كانت وأكثر.
أخذت منال تشكر الشيخ وهي تقول: بارك الله فيك ياشيخ جعلها الله من حسناتك.
قال لها الشيخ: يا ابنتي ارجعي لبيتك واتقي الله في بيتك وزوجك وأهل زوجك.. واعلمي أن خير الأعمال هي الإتكال على الله وتقبل أحدنا للآخر، واحترام الكبير هي من السنن التي فرضها الله علينا في كتابه الكريم، فأنتِ يا ابنتي كنتِ متسرعة وحادة الطباع ولم تعطها فرصة تعاملك بلين ولطف، معاملتها السيئة لكِ هو رد على تصرفك اتجاهها، فحياتنا وتعاملنا مع الآخرين هي مرآة تعكس تلك الصورة التي نعاملهم بها.
اضافةتعليق
التعليقات