المشاكل ملح الحياة ولا يمكن للحياة أن تمضي دون مشاكل وتكون عالم من الخيال ولكن متى ما زادت هذه المشاكل عن حدها وأصبح السيطرة عليها صعب جدا بسبب الغيرة وسطوة العمة وضعف شخصية الزوج وغرور زوجة الابن سيكون البيت جحيم لا يطاق وسيكون من المستحيل الاستمرار تحت سقف واحد.
تعتبر العائلة نواة المجتمع وتتكون عادة من الأب والأم والأبناء وفي مجتمعنا الشرقي تمتاز العائلة بتعدد الأبناء والاستقرار بنفس الدار لأسباب كثيرة منها المادية وأزمة السكن ومنها الحفاظ على الترابط الأسري والإجتماعي وهذا يؤدي الى كثرة المشاكل بسبب عدم توفر الجو الملائم للزوجة أو خوف الأم من فقدان السيطرة على الابناء وخروجهم عن طاعتها وبالتالي ينعكس هذا على زوجة الابن وما تلاقيه من مضايقات لأبسط الاسباب، وقد تكون للغيرة الأثر الأكبر في هذه المشاكل.
نحن نعلم أن زمن (سي السيد) قد ولى وأصبحت الحياة الزوجية تبنى على التفاهم والاحترام وتبادل الآراء ولكن متى يمكن للزوجة او الزوج بنفس الوقت الاستقلالية في حياتهم بعيدا عن مشاكل وهموم هم في غنى عنها، مشكلة السكن أحد الاسباب التي تؤدي الى عدم الاستقرار وربما تؤدي الى مشاكل لا يحمد عقباها والانفصال وبالتالي تشتت الأسرة.
في حقيقة الأمر ان الذي قادني للكتابة عن هذه المشكلة رسالة وصلتني من احدى السيدات والتي اوجزت بها قضية اجتماعية مهمة واعتقد انها ليست جديدة على مجتمعنا تخص الحياة الزوجية ومشاكلها ومشكلتها لا تختلف عن الكثير من النساء اللواتي يسكن في بيت ذوي ازواجهن بسبب أزمة السكن أو اسباب اخرى وتكون تحت سلطة العمة وتعاملها الذي ربما يثير الشك لأسباب كثيرة منها الغيرة أو فقدان السيطرة على أفراد العائلة.
في رسالتها اوجزت السيدة قضيتها على الرغم من أن زواجها لم يمضي عليه فترة طويلة إلا ان المشاكل تلاحقها بسب تعامل العمة وضعف شخصية زوجها الذي كان له السبب المباشر في المشاكل الكثيرة التي ترافقهم دائما مما يجعلها في بعض الاحيان الى ترك منزل اهل زوجها لعدة ايام والذهاب الى منزل اهلها طلبا للراحة والامان وراحة البال والهروب من المشاكل وطرح همومها لوالدتها لعلها تجد ما يريحها ويرفع عنها ما يثقل صدرها من هموم.
في حقيقة الامر طرحت عليها عدة حلول لعل احدها قد تجد فيه حلا لمشكلتها, أول هذه الحلول أن تجد لها بيت خارج هذه الاسرة وعلى ما يبدو ان الحالة المادية لا تساعد في شراء او ايجار لذا كان هذا الحل لا يجدي نفعا, والحل الثاني ان تتحمل الوضع على ما هو عليه وتبقى هادئة بعيدة عن المشاكل وتقوم بعملها ورعاية اطفالها والاهتمام بزوجها حتى تهدأ النفوس وعلى ما يبدو ان هذا الحل ايضا ليس في صالحها, ويبقى اخر الدواء (الكي) الانفصال (الطلاق) وهذا رفضته بشكل قاطع لأنها لا تريد لأطفالها ان يكونوا فاقدي حنان الابوة والترابط الاسري.
ولو نظرنا لهذه الأسباب والمشاكل نجدها ليست صعبة الحل وانما فقط بعض من التنازلات من الطرفين بعيدا عن كل شيء، وهنا يمكنني أن أوجز عدد من الأسباب من هذه الاسباب:-
1. عامل المنافسة بين الزوجة (الكنة) والأم (العمة) على الزوج بالنسبة للزوجة او الابن بالنسبة للعمة من الناحية النفسية حيث تشعر الأم بأنها سوف تفقد ولدها وفي نفس الوقت تشعر الزوجة بأنه ملك لها.
2. عوامل اقتصادية تؤثر من الناحية المعيشية تؤثر على كلا الطرفين حينما يكون دخل الزوج او الابن محدود.
3. عوامل اجتماعية ونفسية فيما يخص قرابة الزوجة والعمة من ناحية او عدمها وكذلك ادارة المنزل من ناحية اخرى.
4. اسباب اخرى مثل تسلط الأم على المنزل (انانية الام) وانانية الزوجة وعدم رضوخها لقوانين الاسرة الجديدة او هناك أطراف اخرى في العائلة (اخوات الزوج او الزوجة) تولد النزاع او تشحنه بين العمة والزوجة.
5. عدم قدرة الزوج على التوفيق بين استرضاء الأم او الزوجة في ان واحد وكذلك ايضا انانيته في التقرب والتودد من الزوجة فقط على حساب الأم وقد يكون لعمر الأم (العمة) اسباب اخرى للمشاكل والمتاعب منها نفسية والشيخوخة والاكتئاب او العجز الجسدي الذي يحتاج الى عناية دائمة من قبل زوجة الابن (الكنة) والتي بدورها تقصر او تهمل هذا الجانب الانساني مما يولد نزاعات مستمرة لا تنتهي.
6. غرور الزوجة وعدم تلائمها مع اهل زوجها والتكيف بالعيش معهم وتعتبر نفسها اعلى مستوى منهم وبالتالي تترفع عن الحديث معهم والجلوس على مائدة واحدة وتجعل الفجوة كبيرة بينهم.
وبالتأكيد ان هذه المشاكل لها تأثيرات على كل الاطراف العمة والزوجة والزوج وتمتد الى الابناء وبقية افراد الاسرة حيث تتولد اشكالات اجتماعية تولد اثار نفسية من القلق والحزن والسلوك المعادي واهتزاز البنية الاسرية حيث يتأثر الابناء في مدارسهم وفي طباعهم حين يكبرون وبالنتيجة تتولد اسرة تخالف القيم الدينية فيما يخص التعاون بين افراد الاسرة وفيما يخص العطف على الصغير واحترام الكبير.
بالتأكيد إن هذه المشاكل واسبابها يمكن تلافيها وتلافي نتائجها الناجمة عنها اذا عرف اطراف الاسرة ما يجب ان يقوم به كل فرد او قدم بعض التنازلات, فيما يخص الأم عليها ان تعي ان الابن ليس مفقود بغض النظر ان كان قريب او بعيد عنها في السكن وان تتفهم مغزى انسلاخه الطبيعي وتكوين الاسرة الخاصة به وكما حدث سابقا حيث انسلخت من اسرتها وكونت اسرة مستقلة, وفيما يخص الزوجة (الكنة) عليها ان تعي انها كلما تقربت من العمة كلما كسبت رضا زوجها والعائلة باعتبارها الأم الثانية وانها لو تنازلت للعمة فذلك يعلو من شأنها حتى إن الاطفال يبدأون بتقليدها تجاه جدتهم وهذا يقع في صلب الرحمة من الناحية الدينية وعليها أن تدرك انها لابد ان يأتي يوم وتكون في دور العمة, كما يقول المثل الشعبي (يا عمة هم جنتي كنة).
اما فيما يخص الزوج او الابن عليه ان يمسك العصا من الوسط فلا يفرق بين امه وزوجته ويلبي حاجة كلا الطرفين ويخفف أو يمنع من نشوب النزاعات بينهما بعدم اسقاط اللائمة على اي من الطرفين وان يكون خبيرا في الجانب الفني لكليهما ويبرز شخصية قوية رحومة ذات طابع انساني حتى يكون قدوة لكل الأطراف باعتباره عموداً للبيت على اعتبار ان الاسرة الشرقية ابوية رجولية.
موروث اجتماعي
للوقوف على طبيعة الصراع الاسري وكيف يمكن تجنب اثاره السلبية تحدث باحث علم الاجتماع في مركز البحوث والدراسات التربوية الدكتور محمد عبد الحسن الذي قال:
هناك مشاكل اجتماعية أزلية داخل المؤسسة الاسرية ومن هذه المشاكل الصراع ما بين (العمة والجنة) وبحسب علمي فان هذه العلاقة غير مستقرة حتى في المجتمعات المتقدمة التي تعيش حياة الاسرة النواة والاسرة المبنية على اساس الزواج الحر... وهذه العلاقة الصراعية اشارت لها القصص الشعبية والتراثية والتاريخية، ووثقتها الامثال الشعبية مثل (لو ان العمة ترضى عن الجنة كان ابليس يدخل الجنة)، مما يعني ان هناك علاقة متوترة، صارت موروثاً اجتماعياً، وثقافة اجتماعية، تبنى في ضوئها قاعدة من التوقعات السلبية، وهذه التوقعات السلبية، تبنى عليها جملة من الافعال وردود افعال، فيما بين كل من العمة و(الجنة)..
واضاف: يظهر ان طبيعة الصراع بين العمة و(الجنة)، يمثل حالة من التعارض في الفلسفة وتأدية الأدوار الاجتماعية والمكانة، هذه المحاور تشكل نقاط اشتباك وتعارضاً واختلافاً فيما بين (الجنة) والعمة، وفي هذا الصراع كل واحد من اطرافه تستخدم كل السبل والوسائل كي تحظى بالقبول الاجتماعي، العمة تدافع عن مكتسباتها التي حصلت عليها عبر فترة طويلة من الزمن، كاحترام الابناء وتقديرهم، واحتكارها للموارد المالية للأسرة، وتسير امور العائلة بحسب طبيعة ما تراه مناسباً لها ولأسرتها.. والزوجة ترى انها خرجت من بيت الاب، كي تستقر في بيت جديد تكون لها الكلمة الفصل، وتكون هي السيدة الاولى في حياة زوجها، لا تنافسها فيه منافسة، وان كانت هذه المنافسة الام او الاخت.. هذا غير ان الزوجة تريد ان تعود الزوج على طبيعتها وما تراه مناسباً لحياتها المقبلة. والأم ترى ان هناك تقصيراً من قبل هذه المرأة الغريبة، فان هذه الزوجة مهما تكن لا يمكن ان تكون بالحب والحنان نفسه بالمقارنة مع الام، طبعاً هذا غير الصراع الذي يكون بصورة غير مباشرة، فان هناك بعض المشاكل التي تكون ما بين العمة والجنة، تكون تصفية حسابات، فيما بين أطراف الاسرة، سواء اكانت اسرة الزوج، ام اسرة الزوجة.
واشار الى أن في السابق كانت العلاقة تتخذ طبيعة الصراع فيما بين العمة والجنة نقل الاخبار، ومحاولة كل من الاطراف تشويه سلوكيات الاخر، والحصول على الدعم من الاطراف الاسرية والمجتمعية، في الحي او المجتمع المحلي، وتسقيط كل طرف جزء من استحصال الحقوق، والنيل من الاخر، في مرحلة ما كان يعتمد نقل الاخبار الشفاهية، او توثيق ذلك عبر الاشعار والامثال الشعبية كمحاولة لكسب التأييد، وفرض الارادة، وعندما تقدمت التكنولوجيا صار استخدام الهاتف الارضي وسيلة فاعلة في نقل الاخبار ومحاولة تشويه سمعة كل طرف من اطراف الصراع، وصولاً الى الوقت الحاضر، حيث تم استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، بصورة فاعلة في هذا الصراع، وزاد الامر عبر استعمال التوثيق بالصوت والصورة في بعض الاحيان، اذن الصراع بين جيل (الجنة وجيل العمة) صراع قديم جديد، غير ان وسائل هذا الصراع متجددة، وتتجدد بحسب المكان والزمان..
وبحسب عبد الحسن فإن من الوسائل المهمة للتقليل من حالة التشاحن والصراع فيما بين العمة والجنة جملة من الاجراءات منها:
النموذج المثالي
البناء الاسري، وديمومة استمراره، يعتمد بشكل كبير على استقلال الاسرة، والابتعاد عن التدخلات الاسرية لكلا طرفي العلاقة، والاتفاق فيما بين طرفي العلاقة الزوج والزوجة، على الخصوصية في الاسرار، والاحتفاظ بمستوى علاقة يسودها التفاهم والاحترام والتقدير، وعدم اشراك الاباء والاخوة والاصدقاء، بما يعتري العلاقة فيما بين الزوجين من مشاكل يمكن حلها بالحوار والنقاش الهادف والبناء.، وكذلك عندما يكون الزواج داخل بيت الاسرة الكبير، فعلى الزوجة ان تحترم فلسفة الاسرة، وان تكون جزءاً من هذه الاسرة، وان تكون هناك صورة واضحة لطبيعة الادوار والمهام التي تؤديها الزوجة داخل بيت العائلة الكبيرة..
واضاف عبد الحسن وتبقى العلاقة الزوجية عبارة عن معادلة:
أ. هو+هي= هو.........تمثل تسلط الزوج
ب. هو+هي= هي.......تمثل تسلط الزوجة
ت. هو+هي=هما.......تمثل الانانية الزوجية
ث. هو+هي= نحن..... تمثل النموذج المثالي لطبيعة العلاقة المفترضة فيما بين الزوجين والنظرة الى قارب كل طرف من أطراف العلاقة الزوجية على انه جزء من العائلة ويفترض التعامل معه بشكل ايجابي، كون هذا التعامل سينعكس وداً وارتياحاً على العلاقة فيما بين الزوجين..
النماذج أ، ب، ت، هي التي تشعل فتيل الأزمة والصراع فيما بين العمة و(الجنة)، في حين ان النموذج الاخير يكون مدعاة لحالة التسالم والتسامح فيما بينهما.
اضافةتعليق
التعليقات