من قفازات ناطقة إلى أذرع تقرأ الأفكار، بدأت نخبة من المراهقين في العمل على تطوير تكنولوجيا الأطراف الصناعية المتحركة، لمواكبة تقدم القرن الحادي والعشرين.
على مدار التاريخ، ظلت بدائل الأطراف المفقودة بدائية حقا، فإبان الرومان كان الجنرال ماركوس سيرجيوس يرتدي يدا حديدية صنعت له بعد فقد يده الأصلية في إحدى المعارك، وكان يثبتها إلى ذراعه بينما يقاتل الأعداء الأشاوس، ومنهم هانيبال. غير أن تلك اليد لم تكن سوى إضافة شكلية.
وفي العصر الفيكتوري باتت الأطراف الصناعية أكثر ابتكارا ونفعا، ومنها شوكة طعام يثبتها المستخدم على أصبع سبابته!
والآن، في عام 2018، ما زال الملايين لا تتوافر لديهم التكنولوجيا التي يحتاجونها، إذ أن فقد أحد الأطراف أمر أكثر شيوعا مما يظن كثيرون. وبحسب منظمة الصحة العالمية، يوجد في بلدان العالم النامي 40 مليون شخص فقدوا أحد أطرافهم، ولا تتاح لأكثر من خمسة في المئة منهم أي أطراف صناعية.
غير أن عددا من المراهقين أخذوا على عاتقهم التصدي لتلك المشكلة، ورغم أنهم دون السن القانوني في عديد من البلدان لقيادة السيارات أو المشاركة في الانتخابات، لكنهم هموا بالفعل بابتكار حلول منخفضة التكلفة.
من بين هؤلاء شيفا ناثان، وهو في التاسعة عشرة من عمره، ويعمل كمساعد باحث بجامعة كارنيغي ميلون بمدينة بيتسبرغ، ولم يتخرج بعد. أمضى ناثان طفولته في ممارسة ألعاب الفيديو، والتي وجدها مفيدة للغاية في إعداده لابتكارات تتعلق بالأطراف الصناعية.
يقول ناثان: "اشترى لي عمي، وهو خبير أعصاب، إحدى تلك السماعات من نوع 'مايندوويف موبايل' لألعب بها، ولتحفزني على الابتكار أيضا".
وتستخدم تلك السماعة تقنية الرسم الكهربي للدماغ، إذ تقيس النبضات الكهربية للخلايا العصبية للمخ، وهي التقنية التي يستعين بها الأطباء منذ عقود لتشخيص الصرع. وفي الآونة الأخيرة، بدأ تسويقها على نطاق واسع كتقنية لقراءة إشارات الدماغ، ما يمكِّن المستخدم من لعب ألعاب الكمبيوتر دون تحريك ساكن.
وبعدما تلقى ناثان تلك السماعة، علم أن إحدى أقاربه في الهند فقدت ذراعيها في انفجار، ويقول: "حينما عرفت بالإصابات التي لحقت بها، وبالأطراف الصناعية التي تستخدمها، فكرت في أن بإمكاني اختراع أطراف صناعية أفضل".
ورغم أن السوق يعج بأطراف صناعية متطورة، بدءا من الأيدي التي يستطيع مرتدوها الشعور بملمس الأشياء، وانتهاء بأجزاء صناعية أخرى قادرة على الرؤية الذاتية، إلا أنها تظل باهظة الثمن، إذ لا يقل سعر أغلبها عن 30 ألف دولار.
وبالاستعانة بسماعة الألعاب التي لديه، وبجهاز تحكم صغير لا يتجاوز سعره 30 دولارا- وهو جهاز من النوع الذي يمكن برمجته وتوصيله بأجهزة أخرى كالتلفاز - أخذ ناثان في ابتكار ذراع صناعي يكون في متناول الجميع.
ويشرح ناثان الطريقة التي يعمل بها ذلك الجهاز: "باستخدام سماعة رسم الدماغ، وتوصيلها بالبلوتوث بجهاز التحكم، يمكن للسماعة قراءة الموجات الدماغية. ووفق الإشارات التي تتلقاها السماعة من المخ، تبعث البيانات عبر البلوتوث إلى الذراع الصناعي، وبالتالي يمكن لمرتديه تحريكه كيفما شاء".
وقد صُنع الجهاز بالكامل، بخلاف جهاز التحكم والسماعة، من مواد تتوافر لدى أي متجر إلكترونيات. ويقول ناثان: "تصميمات الجهاز متوافرة على الإنترنت، وكذلك البرامج المطلوبة لتشغيله، ومن ثم يمكن للشخص برمجته واستخدام مكونات متوافرة بسهولة".
وقد فاز هذا الابتكار - الذي يحمل اسم "اردوينو للأطراف الصناعية" - بعدة جوائز، منها جوائز بالمسابقة الوطنية للطبيات الصغيرة لعام 2013، وأخرى لمبتكرات البلوتوث لعام 2014.
ومن المخترعين الآخرين من هو أصغر سنا؛ فأديب البلوشي، من الإمارات العربية المتحدة - وهو اليوم في الثامنة عشرة - لم يكن قد تجاوز التاسعة حينما اخترع قدما صناعيا مضادا للماء.
أصيب والد أديب بشلل الأطفال وهو صغير، فأصبحت ساقه اليمنى أقصر من اليسرى. وجاءت فكرة اختراع القدم الصناعي للبلوشي بينما كان ينتظر والده أثناء السباحة. كان والده يحب السباحة كثيرا، لكنه كان يستغرق وقتا طويلا قبل أن يلحق بابنه في البحر؛ إذ كان عليه خلع الجهاز الذي يرتديه في قدمه اليمنى، مما يستغرق الكثير من الوقت والجهد.
أخذ البلوشي يعمل على ابتكار قدم صناعي يمتاز بخفة وزنه، ومقاومته للماء، حتى يتسنى لوالده السباحة. في البداية كان والده يرتدي جهازا من القضبان المعدنية والجلد، ولكن المخترع الصغير طور قدما مصنوعا من مادة الغرافين، وهي مادة من مشتقات الكربون تمتاز بكونها خفيفة الوزن وبالغة القوة.
ولا يحتاج القدم الجديد إلى سيور لربطه، فهو يتحرك هيدروليكيا، شأنه شأن يد اخترعها قبل أعوام فريق من باحثين من خريجي الجامعات.
وشجع نجاح القدم الصناعي البلوشي على اختراع رجل آلي (روبوت) لمساعدة والدته في تنظيف المنزل، كما اخترع حزام مقعد للسيارة يقيس ضربات القلب ويبعث إشارات لاسلكية للإسعاف في حال الخطر. واليوم، لدى البلوشي سبع براءات اختراع، ولديه أكثر من 36 ألف متابع على حسابه على موقع إنستغرام.
أدركت إيما دوكيرتي أن من يعانون الصمم يقتصر تواصلهم غالبا على من يفهمون لغة الإشارة
وهناك أيضا إيما دوكيرتي، ابنة الخامسة عشرة من مدينة مانشستر البريطانية، وهي تعكف على اختراع أداة تترجم لغة الإشارة إلى لغة منطوقة.
بدأ الأمر قبل عامين حين قرأت دوكيرتي مقالا "كان يحكى كيف أن الصُم لا يجدون وسيلة للتواصل مع عموم المجتمع، بينما تقتصر أغلب تعاملاتهم على دائرة محدودة ممن يفهمون لغة الإشارة"، مما استرعى انتباهها، فأرادت اختراع وسيلة لتفادى تلك المشكلة.
قررت دوكيرتي تصميم قفاز يتتبع لغة الإشارة عبر مجسات للحركة ويحولها إلى كلام.
وتقول دوكيرتي: "ولأن الأصم لا يتمكن من سماع الردود، فإني أستعين بميكروفون يلتقط الكلام ويختزنه، كخاصية الإملاء لدى جهاز الآيفون؛ ومن ثم يظهر الرد على شاشة ملحقة بالقفاز".
ورغم أن الاختراع مازال في مراحله الأولى، إلا أنه أثار اهتمام الفئة المستهدفة، إذ تقول دوكيرتي: "ما إن انتشر الخبر إلا وبدأت أتلقى رسائل بالبريد الالكتروني تطلب الاستفسار عن تكلفة المشروع، وتكلفة الاختراع، من آباء وأمهات يقلقهم عدم تمكن أبنائهم من التواصل مع أقرانهم وزملاء الدراسة".
وفي العام الماضي، فازت فكرة دوكيرتي بجائزة معرض "بيغ بانغ" البريطاني لتحفيز المخترعين الصغار، كما نجحت في توفير تمويل لمواصلة تطوير المشروع من شركة برمجيات في كمبريدج.
وتأمل دوكيرتي أن يمكّن اختراع "القفاز الناطق" الصُم من التخاطب مع المجتمع العام، ولا تعوقهم لغة في العالم الذي يناهز سكانه سبعة مليار نسمة.
لقد شهد مجال الأطراف الصناعية تطورا ملحوظا خلال القرن العشرين، ويبدو أن نخبة من الصغار يبغون حمل لواء اختراعاته في القرن الجديد. حسب بي بي سي.
اضافةتعليق
التعليقات