يسجل انخفاض في متوسط عمر الإصابة بسرطان الثدي في لبنان والوطن العربي، وتدعو التوصيات إلى إجراء صورة شعاعية بدءاً من عمر الـ40، فماذا عن المرأة الأصغر سناً؟
أظهرت دراسات لمستشفى الجامعة الأميركية في بيروت أن نسبة 50 في المئة من الإصابات بسرطان الثدي في لبنان تحصل دون سن الـ50، ونسبة 20 في المئة من الإصابات دون سن الـ40. كما يبدو واضحاً الفارق ما بين متوسط سن الإصابة بسرطان الثدي في لبنان بحيث لا يتخطى 49 أو 50 سنة، وبين الولايات المتحدة وأوروبا إذ يصل إلى عمر 63 سنة.
ويلاحظ الأطباء المتخصصون في أمراض الدم والأورام ارتفاعاً في معدلات الإصابة بسرطان الثدي في عمر مبكر من الحالات التي يصادفونها في عياداتهم، إذ تكثر الحالات التي يشخص فيها المرض دون سن الـ40، لا بل تعتبر معدلات النساء اللاتي يصبن بالمرض في الثلاثينيات والعشرينيات من العمر في تزايد أيضاً، مما يثير تساؤلات حول الأسباب وراء ذلك.
قد يكون هاجس المرض والخوف من الإصابة به يوماً لوجود حالات عدة في العائلة من العوامل التي ساعدت ريم بعلبكي في اكتشاف سرطان الثدي لديها في مرحلة مبكرة، وإن كانت لا تزال في عمر 24 سنة. فكانت دوماً حريصة على إجراء الفحوص للتأكد من عدم إصابتها بالسرطان، إلى أن ظهرت كتلة في الثدي لديها، مما دعاها إلى استشارة الطبيب الذي أكد لها أنها مجرد "ليفة" في الثدي ويمكن إجراء صورة شعاعية إذا زاد حجمها.
سرعان ما بدأ الألم في الثدي يزيد ويمنعها من النوم ليلاً، إلى أن أجرت الفحوص اللازمة وتبين أنها مصابة بأحد أنواع سرطان الثدي الأكثر شراسة. وعلى رغم أنها كانت دوماً قلقة بهذا الشأن وتشعر بأنها قد تكون مصابة بسرطان الثدي، عانت حالة انهيار عندما علمت بالخبر نقلت على أثره إلى المستشفى. وقالت "ما أخرجني من حالة الانهيار العصبي، رؤية أهلي وهم يبكون تحت أثر الصدمة، علمت عندها أنه يتوجب علي أن أتحلى بالقوة وأحارب المرض من أجلهم ومن أجلي".
خضعت ريم إلى العلاج الكيماوي أسبوعياً إلى أن أنهت رحلة العلاج الأسبوع الماضي بانتظار أن تخضع إلى جراحة لاستئصال جزئي أو كامل للثدي كحل جذري، بحسب نتائج الفحوص التي أجرتها.
وعلى رغم الألم الحاد الذي تجد صعوبة في وصفه في رحلتها العلاجية، تؤكد ريم أن أصعب اللحظات كانت تلك التي خسرت فيها شعرها الطويل الذي كان يصل إلى أسفل ظهرها. فكرة خسارة شعرها كانت الأصعب بالنسبة إليها آنذاك، إلا أنها اكتشفت لاحقاً أن ذلك ليس الأهم، بل الشفاء وتخطي المرض.
المواجهة بشجاعة
وكان وجود الأهل والأصدقاء إلى جانب ريم، السلاح الذي ساعدها في محاربة المرض بشجاعة، فكانوا هم الدواء. وطوال فترة المرض استمرت بالعمل بصورة طبيعية في صالون التجميل الخاص بها في فترة العلاج، فبعد كل جلسة علاج كانت تفتح الصالون لتحافظ على نشاطها، وحتى لا تفكر بالمرض. وإذ بريم الضعيفة والحساسة، تظهر قوة استثنائية لم يعهدها لديها يوماً من عرفها، فتغلبت على مرضها كي تتابع حياتها إلى جانب محبيها.
أما راشيل مارديني فكانت في سن الـ36 عندما أصيبت بالمرض للمرة الأولى، في تلك المرحلة لم تكن تجري الصورة الشعاعية للثدي طبعاً على اعتبار أنها دون سن الـ40. لم تكن هناك حالات في عائلتها، ولم يخطر ببال راشيل، وهي أم لطفل صغير، أنها قد تصاب بسرطان الثدي في هذه السن المبكرة.
حتى أن طبيبها لم يفكر بذلك، وطمأنها مؤكداً أن السرطان لا يسبب ألماً، لكن الألم الشديد والمزمن الذي عانته في الثدي وتحت الإبط كان بمثابة جرس الإنذار بالنسبة إليها. وتعتقد أنها "رسالة من الله" لتتنبه أنها قد تكون مصابة بالمرض وتتمكن من تشخيصه، وأتت نتيجة الصورة الشعاعية والخزعة صادمة، وتبين أنها مصابة فعلاً بسرطان الثدي من الدرجة الثالثة.
مرت راشيل بلحظات من الانهيار هي وزوجها، قبل أن يقررا خوض المعركة معاً. هذا بالفعل ما حصل، إذ حاربت المرض خلال سنتين من العلاج كان فيهما طفلها نقطة ضعفها، لأنها أرادت دوماً أن تبقى قوية من أجله ولا تظهر له ضعفها. حتى أن أصعب ما تعرضت له كان تساقط شعرها، لأنه أثر فيه إلى حد كبير، وكان رد فعله صعباً جداً عليها. كانت تقوي نفسها من أجله، لكن لا تنكر أنها كانت مرحلة صعبة. وفي ظل انقطاع الأدوية وصعوبة توفير الدواء، اضطرت إلى المكوث طوال شهرين من دون علاج. وكان ذلك يهدد بعودة المرض بعد إمكان السيطرة عليه، والأصعب كان تشخيص مرض السرطان لدى والدتها في تلك المرحلة أيضاً، فتلقت أيضاً العلاج في الوقت نفسه.
بالنسبة إلى راشيل التي حاربت المرض بشجاعة، فبعد أشهر قليلة من انتهاء رحلة العلاج والقضاء على المرض، عاود الظهور في موضع آخر، في المريء والقولون، مما سبب لها شعوراً بالخيبة واليأس. وقالت "هذه المرة، من أجل ابني سأتبع العلاج الأخف الذي لا يسبب تساقط الشعر، خصوصاً أني اكتشفت المرض في مرحلة مبكرة، ما قد يجعل رحلة العلاج أسهل هذه المرة. على رغم ذلك يتملكني خوفاً شديداً لاحتمال أن أقصر في رعايتي لابني، وأحاول التعويض عليه قدر الإمكان. لكن هذه المرة سأخفي الحقيقة عنه وأخبره أنها مجرد متابعة، بما أن عمره لا يتخطى سن سبع سنوات".
أسباب لم تتضح بعد
من جهته يشير رئيس قسم أمراض الدم والأورام في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت البروفسور ناجي الصغير أن "أسباب انخفاض متوسط عمر الإصابة بسرطان الثدي في لبنان لم تتضح بعد، وإن كانت الدراسات أظهرت أنه واقع فعلي على مستوى العالم وفي لبنان والمنطقة بصورة خاصة، حتى أن معدلات الإصابة بالسرطان عامة ارتفعت". وأضاف "قد يكمن السبب في التغييرات الجذرية التي حصلت في نمط الحياة، إذ يغلب عليها نمط غذائي غير صحي، مع التركيز على الأطعمة السريعة التحضير والأطعمة المصنعة الغنية بالدهون والوحدات الحرارية، والابتعاد عن النظام المتوسطي الغني بالأطعمة الصحية من خضراوات وفاكهة. حتى أن الأطفال باتوا يلجأون إلى الأطعمة غير الصحية، بدلاً من تناول الوجبات الصحية، هذا فيما أظهرت الدراسات أن النظام المتوسطي يلعب دوراً مهماً في تأمين الحماية من السرطان".
أيضاً يعتبر ارتفاع معدلات التلوث من العوامل التي يمكن أن تسبب في زيادة معدلات الإصابة بالسرطان وخفض سن الإصابة، وينطبق ذلك على التعرض للمواد الكيماوية والمبيدات. فينصح البروفسور الصغير بالحد من استخدامها، خصوصاً قبل أسبوع من قطاف الخضراوات والفاكهة، وفي لبنان ويعتبر التلوث الناتج عن المولدات من عوامل الخطر التي يحذر منها، نظراً إلى أثرها المسرطن على المدى البعيد.
وقال "يعتبر التعرض لكل هذه الملوثات من العوامل التي تسهم في إحداث تغييرات على مستوى الجينات لدى الإنسان، فيزيد احتمال الإصابة بالسرطان، وتصبح المناعة عاجزة عن محاربته كما يحصل عادة".
أما بالنسبة إلى عامل "بي ار سي ايه" (BRCA) فهو موجود لدى الكل، لكن عندما يزيد نمو الخلايا وتحصل تغييرات في الحمض النووي فيها، يزيد استعداد المرأة للإصابة بالسرطان، ولا تبقى الخلايا قادرة على محاربة المرض. وأظهرت الدراسات أن العامل الوراثي في لبنان لا يزيد عما هو عليه في الولايات المتحدة وأوروبا، لجهة خطر الإصابة بسرطان الثدي.
في المقابل تبين أيضاً وجود تنوع كبير في الجينات في لبنان بصورة لافتة، ومن الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى انخفاض متوسط عمر الإصابة أيضاً كون متوسط الأعمار في لبنان منخفضاً مقارنة مع الدول الأوروبية مثلاً.
يشدد البروفيسور الصغير على "أهمية إجراء فحص BRCA وفحوص جينية كثيرة أخرى، خصوصاً في حال ظهور المرض في سن مبكرة. فهذه الفحوص التي تمتاز بدقة عالية، باتت المعيار الذي يحدد المقاربة العلاجية وطرق التعاطي مع الحالة ومحيطها في المرحلة التي تلي. حتى أن هذه الفحوص تحدد ما إذا كانت هناك حاجة إلى إجراء فحوص للعائلة. وقد تكون هناك حاجة إلى إجراء صورة بالرنين المغناطيسي في عمر صغير خصوصاً إذا كان الثدي يتميز بالكثافة، وأيضاً في حال وجود حالات في العائلة. ويمكن أن تجرى جراحة وقائية للمبيض والثدي إذا ظهر المرض في عمر صغير تحت سن 35 سنة، خصوصاً أنه في هذه الحالة، يكون أكثر شراسة ويحقق مزيداً من الانتشار السريع، هذا كله يتحدد على أساس فحص الجينات الذي يؤكد معدل الخطر". حسب اندبندت عربية
اضافةتعليق
التعليقات