على مدار سنوات بعد زواجي فعلت أشياء صغيرة أدت إلى اغلاق روح زوجتي، فقد كنت أستمتع بقول بعض الدعابات عنها أمام والدي أو أصدقائي، أثناء حديثي كنت أقول أشياء مثل (لقد شاب راسي بعد زواجي) أو (أنا لا أستطيع أن أفعل شيئا قبل أن أخذ اذنها) وقد كنت أضحك ويضحك الجميع، ولكن زوجتي كان يبدو عليها الانزعاج وعندما كانت تحاول أن تعبر عن ألمها كنت أقول لها: ((بالله عليك إنها مجرد مزحة؟)) و لم أكن أعلم أن دعاباتي وتعليقاتي الساخرة كانت تغلق روحها اتجاهي شيئا فشيئا.
وبعد عدة سنوات تدهورت علاقتنا بشكل أسوء فقد رأيت النتائج الظاهرة، فعندما كنت أعود إلى المنزل كنت ألاحظ بأن ترحيبها بي اختلف عما سبق، ولما كنت أسألها لما كل هذا البرود كانت اجابتها لا شيء وفي الواقع كان هذا الأسلوب من المزاح (غير اللائق) هو السبب الرئيسي، حيث يبدأ بالضحك وينتهي بالندم.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن المزاح ينقسم إلى ثلاثة أنواع:
1_ المزاح المستحب: يكون للترفيه والتخفيف عن المؤمن، كالمزاح في السفر ولكن مع مراعاة الموازين الشرعية.
2_ المزاح غير المحبب: هدفه إثارة إعجاب الآخرين بشخصيته ولتمضية الوقت بطريقة مسلية .
3- المزاح المحرم: وهو الذي يؤدي إلى السخرية والاستهزاء أو التقليل من شأن الآخرين، وقد يكون كاذب تحت غطاء: لا بأس إنها مجرد مزحة.
من آثار النوع الثاني والثالث من المزاح:
1_ سلب نعمة العقل لأن الممازح انشغل بالتفاهات وابتعد عن التدبر والفهم، فهو انسان سطحي لا يفكر بما يقوله، على عكس الإنسان الحكيم الذي يزن كل كلمة قبل أن يخرجها من فيه. فكلما قل مزاح الإنسان وكلامه قوي عقله وازداد والعكس صحيح، لأن المزاح من أعلى درجات فضول الكلام.
2 _ المزاح يذهب بهيبة الإنسان ووقاره، فعنه عليه السلام: (آفة الهيبة المزاح).
3_ زرع بذور الحقد والعداوة. فعنه (عليه السلام): دع المزاح، فإنه لقاح الضغينة.
الحلول:
1_ اختيار الصحبة الصالحة: ابتعد عن الأشخاص المعروفين بكثرة مزاحهم فالصاحب ساحب، وجالس أهل العلم فإن مجالستهم تؤدي الى تجنب المزاح السلبي والمحرم.
2_ اشغل وقتك بما يفيد وينفع وابتعد عن مشاهدة برامج الكوميديا و(التحشيش) التي أكثر أهدافها جلب أكبر عدد من المشاهدات باستخدام وسائل قذرة كالاستهزاء بالمبادئ الدينية والتشجيع على الرذيلة والفساد فبمجرد مشاهدتك لهذا البرنامج انت تشجع على انتشارها وتشتت عقلك وتشغله بما لا ينفع بل يضر.
3_ تذكر هادم اللذات، والتفكير في أحوال الآخرة، فكثرة الضحك والمزَاح دليل على الغفلة والغرور.
4_ كلما سعى الإنسان أسرع لقلع هذه العادة كلما كانت فرصة نجاحه في التخلص منها أقوى، فالعادات السلبية اذا تُركت تجذرت في النفس وصعب اقتلاعها فالذي يجاهد نفسه وهو صغير لترك عادة سيئة كلذي يقتلع نبتة صغيرة أما الذي يتركها لسنوات ثم يقرر أن يتخلص منها كمن يقطع شجرة وتبقى جذورها.
وأخيرا ليس من عقل يضيع فجأة، بلا أسباب، وبلا مقدمات، سواء فيما يخص الفرد، أو المجتمع. بكل تأكيد، فمن أبرز علامات تخلف المجتمع هو كثرة المزاح الباطل بين أفراده.
يقول الإمام علي عليه السلام: مَا مَزَحَ امْرُؤٌ مَزْحَةً إِلاَّ مَجَّ مِنْ عَقْلِهِ مَجَّةً.
اضافةتعليق
التعليقات