يقضي أطفالنا الكثير من الوقت أمام شاشات الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر، الأمر الذي يؤدي إلى انعزالهم التام عن محيطهم الواقعي، وظهور أعراض المرض عليهم تدريجيًا. حيث أصبح غالبية الأطفال يعاني من حولنا من مرض التوحد الافتراضي، وهي الحقيقة التي قد لا يدركها الكثير من الآباء، إذ أصبح التوحد بمثابة مرض العصر وبما أن الثاني من أبريل (نيسان) من كل عام يمثل اليوم العالمي لاضطراب طيف التوحد الذي يهدف إلى إلقاء الضوء على الصعوبات التي يواجهها الأشخاص المصابون وذويهم في حياتهم اليومية. ويعتبر اضطراب طيف التوحد أكثر الاضطرابات النمائية انتشارا، وما زالت الإحصائيات تشهد ارتفاعا في عدد الحالات التي يتم تشخيصها كل سنة.
تمثل الأنشطة والفعاليات التي يتم تنظيمها كل سنة وسيلة لزيادة ونشر المعلومات التي من شأنها زيادة وعي المجتمع حول اضطراب طيف التوحد عند كل الفئات العمرية.
وبهذه المناسبة سوف نتحدث عن ظاهرة التوحد الافتراضي هو نوع من أنواع التوحد، يتشابه كثيرًا مع التوحد الحقيقي، إذ لم تتوصل أي طريقة من طرق العلاج السريري للفرق بينهما، باستثناء الاختلاف في مسار بداية أعراض المرض فقط، ويطلق عليه هذا الاسم نسبة إلى سبب الإصابة به، إذ يصاب الطفل بهذا النوع من التوحد، إثر جلوسه أمام الشاشات الإلكترونية لساعات طويلة، مما يولد لديه مشكلات سلوكية كبيرة، كذلك مشكلات في التعامل مع الآخرين.
بالإضافة إلى ظهور بعض السلوكيات العدوانية، والحرمان الحسي والحركي والاجتماعي، كما هو الحال تمامًا مع طفل التوحد الحقيقي، إذ يؤثر الجلوس لمدة 4 ساعات أمام شاشة الهاتف المحمول أو التلفاز، على نمو وتطور دماغ الطفل، وهو ما أكدته بعض الأبحاث المختلفة التي أجريت حول مرض التوحد.
التوحد الافتراضي
وقد شهدت البشرية توسعا هائلا في العولمة الافتراضية، بدءاً بمجالات التدريب في التخصصات المختلفة ووصولاً إلى ممارسة هذه التخصصات، بل وما يلاحظ أيضا من غزو عالم الترفيه مجتمعاتنا عبر الوسائل المرئية كالتلفزيونات والشاشات الضخمة وغزو خصوصيات الأفراد عبر شاشات الأجهزة المحمولة الذكية متمثلا في عدد كبير من الألعاب التي يتقمص فيها اللاعبون أدوارا بعينها أثناء اللعب. ولذا حان لنا أن نقف متسائلين عن تأثيرات هذه الصيحات الإلكترونية على النشء من أبنائنا الصغار من عدة وجهات تأتي في أولويتها التأثيرات النفسية والسلوكية.
يرى المختصون أن العالم الافتراضي يمثل بيئة ثنائية أو ثلاثية الأبعاد يقوم فيها المستخدمون بتجسيد شخصيات افتراضية تتواصل فيما بينها ضمن منظومة قواعد وقوانين تحكم هذا العالم. وتمثل كلمة افتراضية Virtual توصيفا لهذا العالم غير الواقعي حيث يمتزج فيه الواقع والخيال بشكل عميق وهو ما يمثل التطور المتسارع في عالم التطبيقات الحاسوبية وتأتي وسائل التواصل الاجتماعي أيضا كأحد هذه العوالم الافتراضية وقد أظهرت بعض الدراسات الأميركية الحديثة أن تزايد عدد الساعات التي يقضيها الشخص في هذه العوالم الافتراضية بأنواعها المختلفة تؤثر على سلوكه الاجتماعي وقدرته على التفاعل والتواصل مع الآخرين بشكل سلبي للغاية.
دراسات حديثة
تطرق الدكتور وائل الدكروري، في حديثه، إلى عدد من الدراسات الحديثة الأخيرة التي أجريت حول تأثيرات العولمة الافتراضية على السلوك عند الأطفال والمراهقين، واكتفي منها بالآتي:
_ دراسة أميركية قامت بها جامعة صن شاين Sunshine Coast University(SCU) ونشرت نتائجها في شهر سبتمبر (أيلول) 2017، وقد خلصت إلى ظهور أعراض مثل ضعف القدرة على قراءة المشاعر وتكوين الصداقات عند الأطفال والمراهقين مرتبطة بالاستخدام المتزايد للعالم الافتراضي في وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما سماه المتخصصون في بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا ورومانيا بالتوحد الافتراضي (Virtual Autism)، حيث تضعف صلة الأطفال والمراهقين بواقعية التفاعل الاجتماعي وتعلم المهارات الاجتماعية والتواصلية الأساسية، وهو ما يتماثل مع نمط أعراض اضطراب طيف التوحد (autism spectrum disorder).
_ دراسة أسترالية مماثلة تثبت أيضا ضعف القدرة على التعرف على مشاعر وقراءة تعبيرات الوجه عند مستخدمي التطبيقات الرقمية بكثافة مقارنة بالمستخدمين الأقل عددا من هذه التطبيقات أو غير المستخدمين لها على الإطلاق، وهو ما قد يتطور في المستقبل إلى اضطراب ضعف القدرة على فهم المشاعر والتعبير عنها مثل عدم القدرة على إدراك الكذب في الحديث أو ضعف القدرة على تقبل الاختلاف في وجهات النظر والتعبير عن وجهة النظر بطريقة وكلمات غير لائقة.
تقارير مراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها ـ CDC. أفاد الدكتور وائل الدكروري بأن تاريخ الدراسات الإحصائية المتعلقة باضطراب طيف التوحد (ASD) في الولايات المتحدة الأميركية يظهر أن معدلات الإصابة أو التشخيص باضطراب طيف التوحد قد ارتفع بشكل كبير في العقود الأخيرة، حيث أشارت الدراسات إلى أن معدل الإصابة في عام 1975 كانت طفلا واحدا من كل 5000 طفل في حين ارتفعت المعدلات في عام 2005 إلى حد تشخيص حالة واحدة من كل 500 طفل إلى أن وصلت المعدلات مؤخرا وتحديدا في عام 2014 إلى حد تشخيص حالة واحدة من كل 68 طفلا، وفقا لما نشر في مراكز CDC.
وأضاف د. الدكروري أننا لا يمكننا أن نغفل نتائج بعض الدراسات والإحصائيات الحديثة التي أشارت إلى أن معدلات الإصابة في الوقت الحالي قد ارتفعت إلى معدل خطير وصل فيه معدل التشخيص إلى حالة من كل 45، وهو ما يعني أن معدلات الإصابة في الولايات المتحدة قد ارتفعت إلى 100 ضعف معدلات تشخيص حالات اضطراب طيف التوحد مقارنة مع إحصائيات عام 1975.
علاج التوحد الافتراضي
من الضروري متابعة سلوك الطفل، وذلك من خلال إبقاء الطفل تحت المراقبة بشكلٍ دوري، ومعرفة مدى احتياجه إما للعلاج الدوائي، أو العلاج النفسي والاجتماعي، أو علاج النطق والتواصل اللغوي، مما يساعده على سرعة التعافي، النمو بشكل طبيعي، والتخلص من أعراض التوحد الافتراضي بشكل تام، وتتضمن العلاجات:
العلاج الدوائي
حتى الآن، لا يوجد دواء معين لتحسين الأعراض الأساسية للتوحد الافتراضي، لذا فقد لجأ الأطباء لاستخدام الأدوية المساعدة في السيطرة على بعض أعراضه، مثل الأدوية التي قد توصف في حال كان الطفل يعاني من فرط النشاط والحركة، كذلك بعض أنواع الأدوية الأخرى المضادة للذهان، بالإضافة إلى الأدوية التي تستخدم في علاج المشكلات السلوكية الحادة. كذلك يصف بعض الأطباء أدوية مضادة للاكتئاب، بهدف الحد من أعراض القلق، التي قد تظهر على الطفل في وقت من الأوقات، ولكن قبل كل شيء يجب الاستشارة والاستعلام جيدًا، قبل تناول الطفل للدواء، إذ يمكن أن تتفاعل بعض الأدوية مع المكملات الغذائية، الأمر الذي يتسبب في حدوث آثار جانبية خطيرة جدًا.
العلاج السلوكي
تهدف برامج العلاج السلوكي إلى علاج مجموعة من الصعوبات، التي يعاني منها الطفل، والتي تتمثل في الصعوبات الاجتماعية واللغوية، كذلك السلوكية المرتبطة بـ اضطراب التوحد، حيث تركز هذه البرامج على الحد من السلوكيات المثيرة للمشاكل، كذلك تعليم الطفل لعدة مهارات جديدة، بالإضافة إلى التركيز على كيفية مواجهة الطفل للمواقف الاجتماعية، والتصرف بشكل أفضل مع الآخرين.
العلاج التربوي
يستجيب الأطفال المصابون بالتوحد الافتراضي، للبرامج التربوية التي تتميز بدرجة عالية من التنظيم، والتي تتضمن عادةً فريقا متكاملا من الأخصائيين، وتشمل هذه البرامج مجموعة مختلفة من الأنشطة الفردية المركزة، بهدف تحسين المهارات الاجتماعية للطفل، ومهارات الاتصال والسلوك، وغالبًا ما يحرز الأطفال قبل سن المدرسة تقدمًا واضحًا، إذا ما تمت معالجتهم من خلال هذه البرامج.
العلاج الأسري
من الضروري أن يسهم الآباء وجميع أفراد الأسرة، في الخطة العلاجية للطفل، من خلال اللعب والتفاعل معه باستمرار، بالطرق التي تحفز مهاراته الاجتماعية، وتعالج المشكلات المتعلقة بسلوكياته، بالإضافة إلى تعليمه مهارات التواصل والمهارات الحياتية اليومية المختلفة.
اضافةتعليق
التعليقات