لمرحلة الطفولة تأثير مهم في حياته كفرد في المجتمع, وفي نشأته ورسم شخصيتهِ وطباعه وسلوكه, فلذلك تجد أن دور العائلة والمجتمع والمؤسسات التربوية والتعليمية مهم وحاسم في هذه الفترة بالذات.
فلقد أكد جميع علماء النفس والباحثين والدارسين على إن الطفولة هي إحدى أهم حلقات العمر التي تبرز من خلالها التأثيرات للمحيط والبيئة على الطفل وشخصيته. وبما أن الطفل ينشأ في مجتمع له ثقافة معينة وله سلوك معين, تؤثر فيما بعد عليه, ولكن هناك طبعا عوامل أخرى في بناء شخصية الطفل والتأثير على سلوكه.
ولكن معظم هذه المؤثرات يستهان بها أو لا تجد اهتماماً كافياً بمدى تأثيراها الايجابي أو قد يكون السلبي, ومن هذه المؤثرات هي افلام الرسوم المتحركة.
لقد لعبت وسائل الاعلام المرئية والمسموعة بل حتى المقروءة منها, دور كبير في تشكيل المجتمعات والتأثير على سلوكها وحتى على آرائها من أول لحظة لظهورها وحتى الآن. وبما أننا نتكلم عن الطفل, فسنجد أن الأطفال أكثر شريحة تتأثر بهذا الدور, من خلال ما يطرح على شاشات التلفاز وما لها من أثر عظيم على خلق وسلوك الطفل ونمط أفكاره، حيث باتت تلعب دورا مهما في صياغة الأفكار والتوجهات وحتى التأثير على المعتقدات, من خلال ما يعرض فيها.
إن أهم البرامج التي يشاهدها الأطفال في أرجاء العالم كله بالدرجة الأولى هي أفلام الرسوم المتحركة. فهي تشدهم برسومها الزاهية والملونة وشخصياتها الغريبة القريبة من مخيلاتهم وأحلامهم ومزاجهم وحيواناتهم الأليفة والألوان المحببة لنفوسهم. لذا إن قابلية التأثير في نفوسهم تكون كبيرة سواء كانت بالسلب أو الايجاب.
وهنا تكمن الأهمية من حيث الاستخدام, وتكمن المشكلة من حيث الهدف, فهذه الرسوم من الممكن أن تكرس في ذهن الطفل الشيء الذي يعرض من خلالها أو التي يهدف منها العرض, وهي بالتالي ليست كما يعتقد معظم أولياء الأمور بانها فقط للتسلية أو قضاء وقت للطفل.
الحقيقة لقد تباينت الآراء حول مدى تأثير الرسوم المتحركة علي نفسية الطفل وكذلك شخصيته، فذهب البعض إلى أنها سلاح ذو حدين، ويفهم من ذلك أن للرسوم المتحركة أبعاد إيجابية كما لها أبعاد سلبية، وهو الأمر الذي يغفل عنه الكثير من الأولياء معتقدين أن تلك الرسوم لا تعدو أن تكون عاملا ينشغل به الطفل عن الخارج، أو باعتبارها ذلك الحصن المنيع الذي يقي الطفل من أخطار العالم الخارجي، إلا أن الخطر الأكبر هو عدم الانتباه إلى طبيعة تلك البرامج التي تقدم إليهم. وبهذا فقد باتت الرسوم المتحركة محل خلاف من قبل بعض الدارسين، إنها وباختصار سلاح ذو حدين لما تحمله في طياتها من إيجابيات وكذلك من سلبيات لذلك سوف نستطرق إلى سلبياتها التي من أهمها ما يلي:
سلبيات الرسوم المتحركة على الطفل
- تكون أحيانًا هذه الرسوم المتحركة غريبة الصنع والهوية على عقول أطفالنا، لأنها صممت لغير أطفالنا وبعقلية غير عقليتنا وثقافاتنا، ما يجعلها تعلم الأطفال بعض عادات وأخلاق تبعد كثيرًا عن عاداتنا وأخلاقياتنا وعقيدتنا ولا تتماشى مع طبيعة مجتمعاتنا العربية.
- تعرض بعض هذه الرسوم المتحركة أفلامًا تحث الطفل على العنف والإجرام وتجعله يميل إلى العدوانية في تصرفاته.
- تجعل هذه الأفلام الطفل يعتاد على التلقي وليس الاكتشاف أو الإبداع لأنه لا يشارك فيها ولا يكتسب مهارات في هذا السن الذي يكون فيه بحاجة إلى تعلم القراءة والكتابة والاعداد واكتساب المهارات والتعبير عن نفسه ويعطل ملكات الفكر والابتكار.
- يقلل من درجة تفاعل الطفل مع أفراد أسرته حيث إنهم يتركون أطفالهم ساعات وساعات أمام هذه الأفلام ليستريحوا من شقاوتهم.
- يضر الجلوس لفترات طويلة أمام التلفاز لمتابعة هذه الأفلام بصحة الطفل وتؤثر على نظره وتضعف بصره وتجهد شبكية العين.
- يلهي الأطفال عن أداء واجباتهم ويحرمهم من الحصول على ساعات كافية من النوم إذا لم ينظم والديهم ساعات المشاهدة وجعلوها تحت إشرافهم.
وليس هذا وحده، بل إن المبالغة في مشاهدة أفلام الكرتون، ولعب الفيديو، في السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل، قد يؤدي إلى تراجع معدلات ذكائه، وقدرته على التواصل والتحصيل، في حين اعتاد الآباء والأمهات على ترك أطفالهم جالسين أمام شاشة التلفزيون، طوال اليوم، دون محاولة التعرف على المضمون، المقدم لهم.
ويرى خبراء الطفولة أن المرحلة الأولى، من عمر الطفل، حساسة جدا، ويكون فيها الطفل قابلا للتأثر بالعالم الخارجي، وما حوله من أفكار وقيم، خصوصا الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم ما بين سنة و3 أعوام. لذا، يطالبون بأن تكون هناك رقابة على أفلام الأطفال، تحدد فيها آلية وقوانين واضحة، من قبل الأهل، تحمي خيال الطفل، وميوله في التنشئة، لأنه من الممكن أن يحدث للطفل نوع من الخلط، بين الواقع الافتراضي، الذي يعرض أمامه، وبين الواقع الحقيقي، الذي يعيشه، فعندما يشاهد الطفل بطل مسلسل كرتوني، مثلا، تسقط عليه صخرة كبيرة، ثم يرفعها عنه، ويركض، فهذا واقع افتراضي يصدقه الطفل، وربما يقوم بإيذاء أخيه الصغير، اعتقادا منه أنه لن يحدث له مكروه.
حيث إن لقلة الإنتاج المحلي في إنتاج الرسوم المتحركة، يفتح الباب على الاستيراد من الآخر المختلف عنا لغة وثقافة، الأمر الذي يؤثر سلبا على الأطفال، لكونها لا تعكس الواقع ولا القيم العربية، على اعتبار أن تلك البرامج تأتي حاملة لقيم البلاد التي أنتجتها وتعكس ثقافتها، الأمر الذي يسهم في تشكيل صراع نفسي وشخصي لدى الطفل بين ما تعلمه في الأسرة والمدرسة، وما تقدمه تلك البرامج من قيم وأفكار مستوردة متضمنة نماذج من العنف والسلوك المنحرف، وبما أن تأثير التلفزيون عموما صعب المقاومة، فإن جهود الأسرة والمدرسة تذهب أدراج الرياح. لذا هنالك طرق ووسائل يمكنك من خلالها تقليل إدمان طفلك على تلك الأفلام، وهي كالتالي
1- أدخلي أنشطة مفيدة وممتعة له، وحددي له وقتاً معيناً لمشاهدة تلك الأفلام دون أن تمنعيه عنها منعاً باتاً، فالطفل يرفض القيود.
2- قومي بتنمية موهبة طفلك، فإذا كان يميل نحو السباحة، شجعيه على ذلك بتسجيله في دورات غطس مثلاً، وإذا كان يميل إلى الرسم، أحضري له أدوات الرسم، وشجعيه على ممارسة هواياته.
3- قسمي وقته، وحددي له وقتاً للمشاهدة على أن يختار الوقت الذي يناسبه، مثلاً: قولي له: يمكنك مشاهدة تلك الأفلام لمدة نصف ساعة يومياً، ويمكنه أن يقسمها كيفما شاء.
4- لا تتقاعسي عن اللعب مع طفلك، واجعلي جل وقتك لمشاركته اللعب.
5- قللي عدد ساعات تشغيل التلفاز في المنزل، وكوني قدوة له بعدم إدمانك على مشاهدة المسلسلات.
فعلى الرغم من أن التلفاز في هذه المرحلة هو أهم وسيلة للترفيه، لكن قد تبين أن اللعب في الهواء الطلق هو مناخٌ صحيٌ لاكتشاف الطفل للعالم المحيط به بطريقة أفضل، لأنه يساعده على تفريغ شحناته الانفعالية وتحرك عضلاته وتفجر طاقاته فيركض ويفكر ويتعامل مع أقرانه من الأطفال بدلًا من التحديق في التلفاز طوال الوقت.
وأخيرًا، هذا لا يعني منع الأطفال من مشاهدة التلفاز والرسوم المتحركة، ولكن أن يكون هناك تحديد ساعة معينة لمشاهدته، وأن لا يُترك هذا الوقت مفتوحًا بعد أن أصبح التلفزيون إدمانًا وخطرًا لا يحمد عقباه على صغارنا.
اضافةتعليق
التعليقات