للنظر بعدان بعد يرى ما هو كائن أمامه ويطلق الأحكام ويبني المواقف ويصنف حسب سطحيته، وآخر يرى بعين العمق نظرة تُبحر عبر الزمان لتستكشف ما مرَّ به المقابل ثم تحمله على سبعين محمل في كلِّ محمل تضع إحدى نكباته.
لماذا لا نرى الأشخاص بنظرة تبادل الأدوار قليلا، هذا ما كنت أفكر به حينما كنت أنظر لبث مباشر على أحد مواقع السوشيال ميديا حينما عبرتْ إحدى محاربات السرطان عن ضجرها من كلمة (الله يشافيج) بسبب كثرة ترددها على مسامعها لأنها كانت ترى فيها شيئا من الاستضعاف وترى من الأفضل أن يُقال لها (الله يقويج)، مثل هذه الكلمات التي تُقال بصورة عفوية كثيرا ما تؤثر على من يصارع يومه سواء بمرض أو حزن أو حتى بانكسار بسيط.
فالفشل لو أطلنا التمعن فيه لرأيناه حصيلة محاولات لم ترَ النور ولم تسعفها الظروف، فما نرميه لاحقا من كلمات لا ينم إلا عن قصور في النظر وظلم لتلك التجارب التي كافح فيها ليلتقي بك وانت تختصرها بكلمة أو بفعل وحتى بإشارة تضيف على جرحه جرحا.
تلك المطلقة لم تختر ما آلى إليه مصيرها إلا بعد أن عاشت صراعات واغرقتْ وسادتها حسرة وقتلت أحلامها الوردية ليحل محلها واقع رمادي ثم إلى ظلام قاتم فاختارت الهرب على أن تكون آلة تُستهلك وفق رؤى غير صالحة للعيش.
وحتى تلك التي فضلت البقاء بلا زواج أو لم تتوفر لها فرصة جيدة، تجرحها الكلمة ويؤلمها الموقف فخياراتها لم تكن بيدها ليأتي أحدهم ويلقي عليها ما يمليه عليه لسانه دون الرجوع إلى تفكير يذكر.
وحتى ذلك الطالب الذي حطتْ طموحاته في غير أراضيه فأضحى مجبرٌ للسير في طريقٍ آخر لا يجد نفسه فيه، فيلومه أحدهم دون أن يرى ما مرَّ به من صراعات وتعب ومشاعر مستنزفة بمغادرة الحلم فيكون ذا نظرة سطحية.
هذه الحالات وغيرها لا تعدو كونها أمثلة لمجموعة من مشاكل المجتمع البسيطة التي لا ترى بعمق أو بنظرة تبادل الأدوار كأن المجتمع يجيد فن المهانة بقصدٍ أو بغيره.
أما ما كان بقصدٍ فهذا يؤلم ضعفين كون المقابل يعلم حجم المعاناة التي خاضها الفرد قبل أن يَصل إلى هذه المرحلة ثم يحقره وهذا وفق غايات وأهداف لا تنم إلا عن مرضٍ في ذات الآخر.
وأما تلك التي تخرج بغير قصد فهذه لا تبرهن إلا بجهالة المقابل وفقر النظر.
وكلاهما يبتعد عنها الإنسان الذي ينتمي لإنسانيته لأنه يُعدد السبعين محمل ثم يطلق الحكم.
اضافةتعليق
التعليقات