قال الإمام علي (عليه السلام): "اكتبوا هذا العلم فإنكم تنتفعون به إما في دنياكم وإما في آخرتكم، وإن العلم لا يضيع صاحبه"( ١).
العلم والتعلم يشكلان ركيزة أساسية لتطور الفرد والمجتمع على حد سواء. فالعلم هو الوسيلة التي تمكن الإنسان من فهم العالم من حوله، وتطوير الأدوات والحلول للتحديات التي يواجهها. أما التعلم، فهو العملية المستمرة التي تتيح للفرد اكتساب المعرفة والمهارات، مما يفتح أمامه آفاقًا جديدة ويعزز من قدرته على الإبداع والتفكير النقدي. في عالمنا الحديث الذي يتسم بالتسارع التكنولوجي والتغيرات المتلاحقة، أصبح العلم والتعلم أكثر أهمية من أي وقت مضى لضمان النمو المستدام وبناء مستقبل أفضل.
وهذا الحديث للإمام علي (عليه السلام) يشير إلى قيمتين أساسيتين: قيمة العلم، وقيمة التدوين وحفظ المعرفة، سنلخص أهميتهما في نقاط موجزة.
أولاً: أهمية العلم
العلم هو نور الحياة، وهو السبيل الذي يقود الإنسان نحو فهم أعمق للحياة والدين والوجود. والإمام علي، وهو من أكثر الشخصيات علمًا وحكمة في الإسلام، وهو مبني على قول رسول الله (صلى الله عليه وآله):"أنامدينة العلم وعليٌّ بابُها...". يؤكد في هذا الحديث للإمام علي (عليه السلام): على أن العلم ليس مجرد وسيلة لتحسين الحياة المادية فقط، بل هو أيضًا وسيلة لتحقيق السعادة في الآخرة. فالعلم يفتح للإنسان أبوابًا من الفهم الصحيح، ويعزز الحكمة ويجعل الفرد قادرًا على اتخاذ القرارات الصائبة في حياته اليومية. لذلك، يرى الإمام علي أن العلم هو أحد الأصول الأساسية التي يجب على الإنسان أن يسعى إليها طوال حياته. والعلم لا ينفع فقط صاحبه، بل يمكن أن يكون مصدرًا للنفع للآخرين، سواء من خلال التعليم أو النصح أو الإرشاد.
كما أن العلم يمكن أن يحمي صاحبه من الضياع، ويمنحه الحكمة التي يحتاجها لمواجهة تحديات الحياة. وهو طريق لمعرفة الله بشكل أعمق، ومعرفة أحكام الدين والتزود للآخرة. وفي هذه العبارة من قول الامام علي (عليه السلام): "اكتبوا هذا العلم"، دعوة واضحة لحفظ العلم وتدوينه. الكتابة وسيلة لحفظ المعرفة ونقلها للأجيال القادمة، مما يضمن عدم ضياعها. فالعلم إذا لم يُدون، قد يُنسى أو يفقد بمرور الزمن. أما معنى قوله عليه السلام:"فإنكم تنتفعون به إما في دنياكم وإما في آخرتكم": العلم له منافع في الدنيا والآخرة.
في الدنيا، يساعد العلم على تطوير المهارات وتحسين حياة الإنسان، سواء في المجالات الدنيوية كالعلوم التطبيقية أو الشرعية. وفي الآخرة، يكون العلم الشرعي سببًا للثواب والهداية والعمل الصالح.
ثانيًا: قيمة التدوين وحفظ المعرفة
في العصر الذي عاش فيه الإمام علي، كانت العلوم تُنقل بشكل رئيسي عبر التلقين الشفهي، لكن هذا الحديث يبرز أهمية كتابة العلم وتوثيقه. فالكتابة هي الوسيلة التي تحافظ على المعرفة من الضياع وتحميها من النسيان. وبفضل تدوين العلم، يمكن للأجيال القادمة أن تستفيد مما اكتسبه السلف من حكمة ومعرفة. أما في وقتنا الحاضر، لا يزال هذا التوجيه ذا أهمية بالغة، إذ أن العلم المكتوب هو ما يبقى للأجيال التالية. والعلوم التي ندرسها اليوم تعتمد على ما دوّنه العلماء في كتبهم ومؤلفاتهم. فالكتابة هي الوسيلة التي تجعل العلم خالدًا، وتضمن استمرارية انتقاله من جيل إلى جيل.
ثالثًا: العلم والدين
في الإسلام، يُعتبر العلم من أهم الواجبات التي تُطلب من الإنسان. وقد أكد الرسول (صلى الله عليه وآله) في العديد من الأحاديث على أهمية السعي في طلب العلم. فالعلم لا يساعد فقط في تحسين الظروف الدنيوية، بل إنه يعين الإنسان على فهم دينه بشكل أفضل، ما يجعله أكثر قدرة على عبادة الله بطريقة صحيحة، وفهم الأحكام الشرعية وتطبيقها بشكل دقيق.
ومن هنا، يتضح أن العلم هو وسيلة لتحقيق النجاح في الدنيا والآخرة معًا. فالعلم ينير الطريق أمام الإنسان ويجعله قادرًا على التمييز بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، مما يجعله أكثر حكمة ووعيًا في تعامله مع حياته الدنيوية والروحية.
رابعًا: العلم لا يضيع صاحبه
عبارة "إن العلم لا يضيع صاحبه" تحمل دلالة قوية على أن العلم هو كنز دائم، لا ينتهي نفعه بمجرد تحصيله. فالعلم يحفظ صاحبه من الزلل، ويعينه على اتخاذ القرارات الحكيمة، ويمنحه القوة لمواجهة الأزمات والصعوبات. كما أن العلم يمكن أن يكون سببًا في رفعة الإنسان في الدنيا والآخرة. فالعلم يُكسب صاحبه مكانة رفيعة في المجتمع، ويمنحه احترام الآخرين وتقديرهم.
أما في الآخرة، فإن العلم الشرعي خاصة يمكن أن يكون سببًا في رضا الله عن الإنسان، كما أنه يمكن أن يجلب الحسنات ويضاعف الأجر.
أما بمعنى "وإن العلم لا يضيع صاحبه": يؤكد هذالجزء من الحديث على أن العلم يحفظ صاحبه ويظل معه دائمًا، سواء في حياته الدنيا أو بعد مماته. فهو مصدر للخير المستمر، وإذا نشر العالم علمه أو أفاد به الآخرين، فإنه سيستمر في جني الأجر حتى بعد وفاته (مثل الصدقة الجارية).
حديث الإمام علي عن العلم وتدوينه هو توجيه خالد نحو أهمية طلب العلم والحفاظ عليه للأجيال القادمة.
العلم ليس مجرد وسيلة للنجاح الدنيوي فحسب، بل هو مفتاح للسعادة والنجاح في الآخرة. من خلال هذا الحديث، نرى أن العلم هو قيمة لا تقدر بثمن، وأن تدوين العلم هو واجب من أجل الحفاظ على تراث الإنسانية والمعرفة التي تنير حياة الناس.
العلم يظل مصدر قوة وحماية لصاحبه، ويضمن له الخير في الدنيا والآخرة.
اضافةتعليق
التعليقات