بعد مضيّ ساعات وهو ملقى على رمال الشارع, علمت أم علي بأن ولدها دهسته سيارة, غير أن نقله إلى المشفى لإسعافه كان متأخرا!
دوت جلبة كبيرة في ردهة الطوارئ حينما نُقِل لها نبأ وفاته وكأن صاعقة اطاحت بها!
حدثتنا الام المنكوبة قائلة: "اعتاد ولدي اللعب في الشارع قرب باب البيت, ولكن هذه المرة غاب عني كثيرا, لم اكترث لغيابه حتى سمعت احدهم يطرق الباب بقوة تكاد تخلعه, ليخبرني ابن الجيران ان علي فاقد للوعي غارقا بدمه منذ ساعات ولم ينقله احد للمشفى خوفا من المسؤولية, وها انا خسرت ولدي الى الابد لأنه نزف كثيرا".
بين المخاطر والمزايا
يقضي الاطفال ساعات طوال في اللعب خارج البيت, وهذا امر متعارف, كما ان للعب في الشارع مخاطر لا تحمد عقباها ومزايا سنستعرضها لاحقا, لكن الخطر المحتم للعب خارجاً يغلب تلك المزايا.
(بشرى حياة) تبنت هذا الموضوع لطرح إيجابياته وسلبياته, والذي لا يعد ظاهرة وانما هو سلوك منتشر يلازم اغلب الاطفال:
التوجس والقلق
تنقل لنا سلوى محمد محامية وام لثلاثة اطفال رأيها: "يعتريني توجس وقلق دائم حينما يخرج اولادي الى الشارع, خشيت ان يكتسبوا صفات سيئة من رفاق السوء, او التعرض للأذى نتيجة الشجارات التي تحصل بين الصبية".
وتضيف: "غير إني لا أستطيع منعهم من الخروج او حتى تخويفهم فهذا سيؤثر سلبا على نفسيتهم وسلوكهم مع تقدمهم في العمر, لهذا اصبحت اراقبهم عن بُعد حينما يخرجون انا او والدهم, كما اقوم بنصحهم وتوجيههم, إن سمعت احدهم يتحدث بكلمات غير لائقة مثل الألفاظ النابية, وغيرها.. الا ان اشتد عودهم واصبحوا الان يميزون الصواب من الخطأ".
وتابعت: "على الابوين الانتباه للسلوك التربوي بشكل جاد خصوصا اللعب في الشارع, والانتباه له و ان لا يسمحوا للطفل الصغير دون السادسة اللعب خارج البيت فمن الممكن ان يعرضه الى مخاطر عدة مثل الخطف والضرب او الدهس لا سامح الله".
الحيطة والحذر
من جانب اخر تحدث ابو ملاك في صدد هذا الموضوع قائلا:" اللعب في الشارع سلوك لابد ان يمارسه الطفل ليعتاد الخروج والتأقلم مع المحيط الخارجي, كما تزيد من ثقته وتقتل الخوف داخله, لكن يجب اخذ الحيطة والحذر".
وتابع: "اذكر اني تسببت بحادث موجع لاحد اطفال الزقاق الذين كنت العب معهم على غير قصد, فقد ركلته بالكرة على وجهه بقوة ادت الى نزيف حاد بزغَ من انفه الدم بغزارة, نقل على اثرها الى المشفى, واتضح ان هناك كسر في الغضروف, تكلف ابي وقتها اجور العملية, وتمت المراضاة بين العائلتين لكوننا جيران, وايضا كانت مجرد لعبة ادت الى الحادث, وما زالت التقي بصديق الطفولة ويذكرني بذلك الحادث فيدركنا الضحك".
ختم حديثه: "ان كان اللعب يعرض الاطفال لحادث عابر بسيط من الممكن ان يتعالج فلا بأس به, الا ان هناك حوادث تؤدي الى عاهات مستديمة او شجارات تعرض الاسرتين الى دعوات قضائية, او تدخل العرف العشائري, وهذا ما يجب النظر اليه بعين الاعتبار, والتأطر بالحرص والحذر حينما يخرج اطفالنا للعب خارجاً".
اللعب.. نشاط هام
وكانت لنا هذه الوقفة مع الاستشارية زهراء التميمي قالت من خلالها: "يعد اللعب بالنسبة للأطفال مؤشر ايجابي من حيث انه أكثر الأنشطة ممارسة لديه، اذ يستغرق الطفل معظم ساعات يومه، وقد يفضله أحياناً على الأكل والنوم, كما إنه وسيلة فذة يتعلم بها الطفل مهارات جديدة ويطور مهاراته القديمة؛ لذا فإن غياب هذا النشاط لدى طفل ما يعد مؤشراً دالًا على أن هذا الطفل غير طبيعي".
واضافت: "كما يعد اللعب من أهم سلوكيات الطفولة ولا يعد نشاطاً ترويحياً بالنسبة للأطفال فحسب, وإنما هو نشاط هام للنمو النفسي, والعقلي, والاجتماعي".
وعن ايجابيات لعب الأطفال خارج المنزل قالت: "يرفض بعض الآباء ترك الحرية لأولادهم في اللعب خارجاً خوفاً وحرصاً عليهم، مما زاد من تعلق الأطفال بالألعاب الالكترونية والبرامج التلفزيونية، إلا أن اللعب خارج المنزل يكشف عن فوائد كثيرة حُرم منها الأطفال مثل تطوير مهارات النمو الجسمي, فقد يكون الهواء الطلق أفضل مكان يتعلم فيه الأطفال الصغار بعض المهارات الجسدية.
ففي الفناء الخارجي للمنزل أو الحديقة العامة، يتعلم الطفل الركض، والقفز، والوثب، إضافة إلى المهارات اليدوية مثل رمي الكرة وضربها والتقاطها, كما يستطيع الطفل إنجاز بعض المهارات اليدوية مثل دفع الأرجوحة أو شدّ الحبل أو رفع الأغراض عن الأرض.
فضلا عن ذلك، فإن هذه الحركة تدفع الى حرق المزيد من الوحدات الحرارية عند اللعب خارج المنزل، مما يحول دون البدانة، وخطر التعرض للأمراض".
وتابعت: "ينبغي على الأهل أن يخصصوا وقتاً محدداً كل أسبوع كي يلعب أطفالهم في الهواء الطلق، من خلال اصطحابهم للأماكن العامة والحدائق والأماكن الترفيهية، من وقت لآخر, على اعتبار ذلك نوعاً من الوقاية الصحية.
ولا تقتصر فوائد اللعب خارج المنزل على الجانب الجسدي، بل تتعداه أيضاً لتشمل التطور في الجانبين الاجتماعي والعاطفي, مما يحفز الاستقلالية عند الاطفال، وكيفية التواصل مع الآخرين مما يجعله قادراً على تكوين علاقات صداقة جديدة.
كما تطور النمو الحسي اذ يتعلم الأطفال كثيراً من خلال حواسهم أثناء اللعب خارجاً، فهم يستخدمون فقط اثنتين من حواسهم السماع والنظر حينما يشاهدون التلفاز او الألعاب الالكترونية, مما قد يؤثر سلباً في قدراتهم الإدراكية".
وواصلت قائلة: "كما ان للّعب ايجابيات وتوجد هنالك سلبيات يجب الالتفات اليها, فقد أكد الاخصائيين الاجتماعيين خطورة تعود الاطفال على اللعب بالشارع بالأخص في سن الطفولة لما يحمله الشارع من مخاطر كبيرة منها, احتمالية تعرضهم للدهس او الضرب او التحرش الجسدي من قبل الآخرين.
كما يمكن ان يتعلم الطفل من الآخرين اثناء تواجده بالشارع سلوكيات سيئة مثل تعلم الالفاظ النابية، ومصاحبة من يكبره سناً مما يؤثر على سلوكياته الاجتماعية، وتعود الطفل على قلة الاهتمام بالنظافة الشخصية".
وختاما: "يجب ان تهتم الاسرة بالعمر المناسب الذي يمكن ان يسمح به لأطفالهم باللعب بالشارع, اذ يكون العمر مناسب ليميز به بين السلوك الخاطئ والسلوك السليم, كما هناك اسراً تعتقد ان اللعب بالشارع يعود ابناءهم على الرجولة والاعتماد على النفس، وهذا اعتقاد خاطئ، فالطفل يجب ان يعيش طفولته بكل ما فيها من براءة وصدق، وينبغي الابتعاد عن ما يمكن ان يؤثر على تربيته سواء كان ذلك سلوكاً، او من خلال اعتياده على سماع الفاظ سيئة سيقوم هو بترديدها في وقت لاحق مع افراد اسرته، في الوقت الذي لن تتمكن اسرته من معاقبته كونها اسهمت هي بذلك من خلال سماحها له بالبقاء بالشارع.
كما يمكن ان تهتم الاسرة بهذا الجانب من خلال توفير بعض الوسائل الترفيهية في باحة البيت لممارسة هواياتهم بعيداً عن كل ما يمكنه أن يؤذي الطفل".
اضافةتعليق
التعليقات