الأخلاق هي انعكاس إلى الرصيد الضخم الذي يعتز به الدين الإسلامي من الفضيلة البشرية، والمبادئ الإنسانية. وقد يملك الإنسان العجب حينما يرى البون شاسعاً بين القيادة المحمدية (صلى الله عليه وآله وسلم) في الأخلاق، وبين المستوى الذي انحط إليه خلق المسلمين في العصر الحاضر.
وهو الارتباط الوثيق بين الدين والخلق، حتى أن كل شعيرة من شعائر الإسلام متلاحمة مع فضيلة من الفضائل، فلا الدين وحده، ولا الأخلاق وحدها، بل دين وأخلاق. وسيأتي عرض النواحي الأخلاقية لطائفة من الأحكام الشرعية، مما يؤكد على أواصر القرابة المشجرة بين الإسلام والفضيلة.
فإن مجرد العلم بالأخلاق دون الاتصاف بها غير مجدٍ ومثالها مثال الجسد بلا روح. وكذا لا يجدي العلم بمحاسن الصفات، ومساوي الملكات، وإن برع العالم بها وقدر على ترصيفها ووصفها، وتقسيمها وجمعها، ودرى أن أيها داخل في القوة الشهوية وأيها مرتبط بالحالة السبعية.
كما لا ينفع العلم بالدواء، من دون معرفة كيفية استعماله كذلك النافع هي الملكة الحاصلة من التكرر، حتى تنطبع في النفس الصفة الحميدة، وتنمحي عنها الخصال الفاسدة، ويصبح الرجل والكرم مثلاً منتهى أمنيته، والشجاعة نقش طبيعته، يجود في كل مناسبة، ويقدم في كل هول.. وحينذاك يمكن أن يطمئن الرجل بوجود الفضيلة في نفسه، وانعدام الرذيلة عنها، لكن دون هذا عقبات وعقبات.
إن الإنسان مهما تعب لتحصيل الفضيلة، وإزالة الرذيلة، لم يكن عمله عبثاً أو قليل الفائدة كما يزعم البعض إذ مدار الرقي، والذكر الحسن.. ليس إلا الفضيلة فحسب. أما سائر الأشياء كالشرف الرفيع، والجاه العريض، والمال الغزير، بل: والعلم الواسع فلا تعد شيئاً يذكر، ما دام الشخص خالٍ عن حلية الأخلاق الحسنة وإن احتاج إليه الناس، وركعوا أمام شرفه أو جاهه.. فإنه عرض زائل، لا بقاء له ولا دوام.
المجتمع الحي هو المجتمع المبني على التعاون والتكاتف، كل فرد منه يعاضد الآخر في حوائجه، ويشاركه في أحزانه وأفراحه، فترى إذا نزلت نازلة على أحد، هب الجميع لكفاحها، وإذا احتاج فرد إلى حاجة، سعى غيره لها. والأمر تبادل، فمن سعيت له سعى لك، ومن شاركته همومه شاركك همومك..
إن التعاون سمة الجماعة النشيطة، والتفكك طابع الأمة الخاملة..
ومن نظر إلى أمة نظر فاحص، رأى أن كل فرد يهتم بأمور الآخرين، يهتم بأموره، وكل فرد ينفرد بحوائج نفسه، كأنه ليس منهم، نبذ كما تنبذ النواة، فلا يعار له اهتمام، ولا يسعى له في حاجة.. وكلما زاد تعاون الأمة، زاد رقيها، وبالعكس، كلما انفصلت الأواصر بينهم، كثر الخمول والانحطاط.
إن شرائع السماء كلها تقصد شيئاً واحداً، وهو تهذيب النفس التي هي اللبنة الأولى في المجتمع وبالتهذيب، ترتقي النفس في مدارج الكمال، فينظم الكون، وبهذا التنظيم تصلح الدنيا والآخرة.
إن المجتمع كالقصر المشيد، إذا رمم كلما انصدع منه جانب، وشيدت كل دعامة لحقها الخراب، بقى أنيقاً قابلاً للسكنى، ولو ترك بحاله، لم يمض إلا يسير وقت، حتى تناله يد الانهدام، وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إنهما ترميم للمجتمع عن الانهيار، وحفظ له عن الخراب والفناء، فهما فضيلة، وأساس كل فضيلة.
وليس الصدق والكذب يدوران مدار اللسان.. إن مدارهما الأفئدة، فإذا صدقت، صدق اللسان، واليد، والرجل.. وإذا كذبت كذبت كلها، إن أثم القلب الذي التاث بالانحراف يكذب، ويرائي ويحب أن يحمد بما لم يفعل، ويخلف الوعد، ويخون، وو.. وأخيراً الكذب والاجتماع طرفا نقيض.
إن الوفاء يدل على الشهامة والمروة، واستقامة العمل.. ومن لا يريد الوفاء أحرى به أن لا يعد، فإن حمل الوعد أثقل من مجابهة الرد.
إن الوفاء بالعهد، من شارات العدالة، التي هي مناط الإمامة والقضاء.. فلا عدالة لمن لا وفاء له، فإن من يخالف قوله عمله لا يؤمن على حدود الله وأحكامه.
المسلم طاهر العين من الخيانة، فلا يمد عينه إلى حرمة من حرمات الله، ولا يتمنى ما ليس له من أعراض أناس، وأموال آخرين.
والمسلم نزيه اللسان حيث لا يلمز، ولا يهمز، ولا يشتم، ولا يهذر، ولا يستغيب، ولا ينم، ولا، ولا، واللسان كثير الجريمة، إن لم تصده النزاهة، ولم يزمه الرجل بزمام من الصمت، ربما أودى بصاحبه، وأورده موارد الهلكة، والمكثار يغلب عليه العطب، ويثقل على الناس مجلسه، فإنه يسيء حيث يظن أنه يحسن.
إن العفة جهاد، وجهاد كبير! فإن الآخذ بزمام البطن المستعر، واللمس الملتهب، أصعب من الجهاد في ساحات المعركة، ولذا قد يجاهد الجندي في أواسط الموت والرعب، ثم يركع جثياً حول مفاتن فتاة أو دراهم معدودات.
الإسلام يريد أن يكون ضمير الشخص أبيض من الثلج، وأنقى من اللجين، وأصفى من الماء العذب، يطوي على الخير، ويثني على الحق، يسع الدنيا برحبها، ويشرق إشراق الذكاء في رائعة النهار.
اضافةتعليق
التعليقات