«حتى الأطفال الصغار الذين تقل أعمارهم عن عامين يهتمون بما يعتقده الآخرون عنهم»، وتتغير سلوكياتهم بناء على أبسط مواقف تصدر من الكبار»، إذ أن الأطفال يتأثرون بالرقابة. فقد أثبتت دراسة جديدة أن الأطفال الصغار يدركون كيف يحكم عليهم الآخرون قبل تجاوز عمر السنتين، وحتى قبل أن يتعلموا نطق جمل كاملة. عادةً ما يحدث ذلك عندما يكون عمر الطفل يتراوح بين 30 و36 شهراً، ولكن تبين أن الأمر ينطبق على الأطفال الأصغر، حسبما نقل تقرير لصحيفة Dailymail البريطانية عن الدراسة.
وكان بحث سابق أشار إلى أن هذا السلوك، الذي يكشف عن إدراك متقدم للإشارات الاجتماعية المعقدة، يظهر في البداية لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و5 سنوات. غير أن نتائج هذه الدراسة الأخيرة كشفت أن الأطفال الصغار هم أكثر وعياً بمحيطهم مقارنة بما كان يُعتقد في السابق، وذلك وفقاً لما أكده العلماء. ويمكن أن تساعد هذه النتائج الباحثين على تحقيق فهم أفضل لكيف ولماذا نصبح أكثر حساسية تجاه آراء الآخرين.
الإنسان يهتم بسمعته من الصغر
«اهتمامنا بالسمعة أمر يميزنا بصفتنا بشراً»، حسب الباحثة الرئيسية، سارة فالنسيا بوتو، من جامعة إيموري في أتلانتا بولاية جورجيا الأميركية. إذ تقول «نحن ننفق أموالنا في شراء مستحضرات التجميل والماركات التجارية، ونشعر بالرعب من التحدث أمام الجمهور والتوافق مع العديد من معايير المجتمع لأننا نهتم بكيفية تقييم الآخرين لنا». وأضافت: «نعتقد أن النتائج التي توصلنا إليها تساعدنا على فهم متى وكيف نصبح أقل أو أكثر حساسية تجاه تقييم الآخرين لنا، ما يعزز بدوره فكرة أن الأطفال عادة ما يكونون أذكى مما نعتقد».
الأطفال يتأثرون بالرقابة.. ويشعرون بالحرج في هذه الحالة
أجرى الفريق تجاربه على 144 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 14 و24 شهراً وهم يستخدمون لعبة روبوت. في التجربة الأولى، أظهر الباحثون أمام طفل كيفية استخدام الأزرار الموجودة على جهاز تحكم عن بعد الخاص بتشغيل الروبوت.
بعد ذلك، قاموا إما بمراقبة الطفل مع إظهار تعابير محايدة من قبل البالغين المحيطين بالطفل أو الالتفات والتظاهر بقراءة مجلة. وقال الباحثون إنه عندما كانت تتم مراقبة الطفل كان إما يُعرض أو يظهر مزيداً من شعور الإحراج عند الضغط على الأزرار الموجودة على جهاز التحكم عن بعد، مقارنةً بالوقت الذي كان فيه المراقب غير مهتمّ. أي أن الأطفال يتأثرون بالرقابة، ويصبحون أكثر تعرضاً للإحراج عندما يخضعون للرقابة أو الملاحظة.
تضمنت التجربة الثانية استخدام ردود فعل إيجابية وسلبية تجاه السلوكيات التي جرى عرضها أمام الطفل. خلال هذه المرة، استخدم الباحثون اثنين من أجهزة التحكم عن بعد أمام الطفل. فعند استخدام جهاز التحكم عن بعد الأول، ابتسمت الباحثة وقالت: «رائع! أليس هذا رائعاً؟. وعند استخدام جهاز التحكم الثاني أظهرت أنها تشعر بالقلق حيث قالت: «أوه! يا للهول، لا.. هذا لا يعقل!» وعندما جاء دور الطفل ليقوم بنفس السلوك، بدأ بضرب الأزرار من تلقاء نفسه. وتأثرت رود الأفعال بموقف المراقب من الجهاز. ففي حالة الأجهزة التي امتدحتها الباحثة، إنعكس ذلك إيجابيا على استخدام الطفل لها والعكس بالنسبة للأجهزة التي أصدرت الباحثة بشأنها رد فعل سلبياً.
وكان للمراقبة تأثير أيضاً على سلوك الأطفال في هذه التجربة. فقد قامت الباحثة بمراقب الأطفال تارة، وتجاهلتهم تارة أخرى عبر التظاهر بقراءة مجلة. أفادت بوتو قائلة: "ضغط الأطفال على جهاز التحكم الجيد بطريقة إيجابية أثناء مراقبتهم" غير أنهم استخدموا جهاز التحكم عن بعد بطريقة سلبية أكثر عندما تم تجاهلهم. وتابعت قائلة أن «هذا السلوك يشبه سلوك الأطفال الأكبر سناً الذين يتصرفون بشكل جيد ويفعلون أشياء جيدة بينما يراقبهم الآخرون، ويسيؤون التصرف عندما لا يكون هناك أحد مهتمّاً بهم». إذ أن الأطفال يتأثرون بالرقابة على غرار الكبار.
تضمنت التجربة الأخيرة باحثين يجلسان جنباً إلى جنب، ويستخدمان جهاز تحكم عن بُعد واحداً. في البداية، ضغط أحد الأشخاص على جهاز التحكم عن بعد، وابتسم وقال: «يا لسعادتي! اللعبة تتحرك!. في المقابل، ضغط شخص آخر على نفس جهاز التحكم عن بعد، وعبّر عن انزعاجه قائلاً: "إنه لأمر أمر فظيع! اللعبة تتحرك"!.
المواقف الإيجابية من الكبار تشجع الأطفال
وبمجرد إتاحة الفرصة للطفل لتشغيل جهاز التحكم عن بعد، تناوب الباحثان إما على مشاهدة الطفل أو التظاهر بعدم الاهتمام به. ووفقاً للدراسة، يميل الأطفال أكثر للضغط على جهاز التحكم عن بعد عندما كان الباحث الذي قدم ردة فعل إيجابية يُراقبه.
ولكن هل هناك اختلاف بين الأطفال الذكور والإناث في ردود الفعل؟
في جميع التجارب الأربع، لم يلاحظ الباحثون أي اختلاف في ردود الطفل باختلاف جنسه. ويقول الدكتور فيليب روشات، المؤلف المشارك في الدراسة: «تدعم دراستنا فكرة أن الأطفال يتأثرون بالرقابة، وأن الأطفال الصغار للغاية هم أكثر تأثراً بمحيطهم وبردود الآخرين مقارنة بما كان يُعتقد في السابق». وتابع قائلاً: «لذلك، يعد ما توصلنا إليه مرحلة مهمة في فهمنا للإدراك الاجتماعي الإنساني وتطوره. في المقابل، يجب علينا القيام بالمزيد من الأبحاث لدراسة ما إذا كان حتى الأطفال الأصغر سناً، أي الذين تقل أعمارهم عن 14 شهراً، يمكن أن يكونوا حساسين تجاه أحكام الآخرين أيضاً». حسب عربي بوست
اضافةتعليق
التعليقات