العلاج السلوكي هو شكل من أشكال العلاج يهدف إلى تحقيق تغيرات في سلوك الفرد تجعل حياته وحياة المحيطين به أكثر إيجابية وفاعلية.
فلكي نقوم بعلاج طفل يشكو مثلاً من اضطراب معين كالعجز عن ضبط النزعات العدوانية، فإن المعالج السلوكي الحديث يمكن أن ينظر إلى هذا السلوك العدواني من زوايا مختلفة. فمثلاً قد يعبر هذا السلوك العدواني عن:
أ-رغبة الطفل العدواني في الحصول على مزايا أو اهتمامات خاصة.
ب-خبرات سيئة في مواقف مماثلة كان يشعر خلالها الطفل بالتهديد وعدم الطمأنينة والتعدي على حقوقه.
ت-قصور في المهارات الاجتماعية –لهذا الطفل تجعله عاجزاً عن حل صراعاته ومشكلاته الاجتماعية بطرق غير عدوانية.
ث-تفسيرات سيئة لمقاصد الآخرين وللذات يستنتج من خلالها أنه غير كفء أو أنه ضحية وموضوع للامتهان من قبل الآخرين.
ولعلاج هذا الطفل نجد أن المعالج السلوكي قد يعلمه أساليب بديلة وجديدة تمكنه من الحصول على المزايا التي يريدها بطريق مقبول. كما يمكن أن يعلمه طرقاً جديدة في التفكير وحل المشكلات، ويمكن ان يساعده على تغيير توقعاته القديمة أو القيم التي يتبناها نحو بعض الأهداف. أو قد يخضعه لسلسلة من التدريبات الاجتماعية المكثفة حتى تتكون لديه مهارات اجتماعية تساعده فيما بعد على حل مشكلاته بطريقة أكثر إيجابية.
ويتوافق العلاج السلوكي متعدد المحاور من حيث تنوع أبعاده مع نفس نظرتنا للسلوك الشاذ والاضطراب. فلأي سلوك مرضي – فيما نعتقد – توجد على الأقل محاور رئيسية هي:
1-الموقف أو الحوادث السابقة التي تثيره وتسهم في تشكيله وما تنطوي عليه هذه الحوادث أو المواقف من خبرات سيئة أو ألم أو إحباط أو تهديد.
2-السلوك الظاهر، أي الأفعال السلوكية التي يترجم الشخص من خلالها هذا الاضطراب، كالتهتهة، أو التبول اللاإرادي، أو العجز عن الاحتكاك البصري، أو احمرار الوجه، أو شحوبه، أو هروب من المدرسة، أو تجنب لبعض المواقف.
3-المكونات الانفعالية أو التغيرات العضوية الداخلية التي يحدثها هذا الاضطراب مثل زيادة ضربات القلب، ازدياد في سرعة التنفس، النشاط الهرموني.. إلخ.
4-الجوانب الفكرية أو المعتقدات الخاطئة التي يتبناها الشخص عن نفسه أو عن المواقف التي يمر بها. وينطوي هذا الجانب على ما ينتجه التفكير من مبالغات أو تطرف، أو مايقوله الشخص لنفسه من أفكار سلبية أو انهزامية.
5-ضعف المهارة في التفاعل الاجتماعي، أو قصور المهارات الاجتماعية، فالعدوان والخجل، والانزواء وغيرها يمكن النظر إليها كدلالة على ضعف المهارات الاجتماعية أو افتقاد المتطلبات الايجابية للتفاعل الاجتماعي السليم والتواصل الموجب بالآخرين.
ولأن هذه المحاور السابقة تتفق وتتداخل فيما بينها في إبراز السلوك المرضي، وتشكله وتعمقه، فإن المواجهة العلاجية يجب أن تعكس هذه الرؤية متنوعة المحاور. ونظراً لأن المحاور الخمسة السابقة جميعها – فيما عدا المحور الأول الخاص بالموقف أو الحوادث الخارجية – يمكن أن تكون تحت سيطرة المعالج السلوكي، فإننا نجد أن من المطالب الحديثة للعلاج السلوكي توجيه الجهد لمعالجة هذه الجوانب الأربعة (أي السلوك الظاهر – الانفعال – المكونات الفكرية، والأساليب المعرفية – نواحي التفاعل الاجتماعي).
لنتناول – كمثال آخر على وجاهة هذه الرؤية – طفلاً يعاني القلق الاجتماعي الشديد بصورة تحرمه من التفاعل الجيد مع زملائه أو مدرسيه أو أي شخص آخر على درجة من الأهمية أو الجاذبية له. إن قلقه في الحقيقة يترجم نفسه في أشكال متعددة ومتصاحبة وتحدث جميعاً في وقت واحد، فهو يشعر بالخفقان والغصة ويزداد تنفسه، ويجف لعابه كدلالة على الانفعال. أما مانراه من سلوك ظاهري لهذا القلق فقد يظهر في صعوبات الحديث (التهتهة أو الحبسة الصوتية) أو اللجلجة في الكلام وشحوب الوجه والشفتين، وانكسار البصر وخفوت الصوت.
ويتطلب العلاج الناجح لهذا الطفل أن نوجه نشاطنا العلاجي لتعديل كل هذه المحاور من الاضطراب. فمن الممكن أن نعلمه أساليب جديدة لضبط انفعالاته (من خلال تدريبه على الاسترخاء العضلي مثلاً) كما يمكن أن ندربه على أساليب جديدة من السلوك أو نساعده على التخفيف من الأساليب السلوكية المرضية (من خلال تدريبه على الطلاقة والتخلص من التهتهة). ويمكن إضافة ذلك أن نساعده على تعديل طريقة تفكيره نحو نفسه (التي تتسم عادة بالانتقاص وتوقع الفشل)، أو طريقة تفكيره في الحدث وشيك الوقوع والتي تتسم عادة بإعطاء ذلك الحدث قيمة إيجابية مفرطة (تعديل في طرق التفكير والقيم).
فيتطلب العلاج السلوكي الناجح أن نوجه نشاطنا لتعديل السلوك المرضي مباشرة وكل الجوانب المحيطة به.
اضافةتعليق
التعليقات