رحل العيد تاركا ذكريات ملونة تبهج قلوب الصغار وتزيدهم حبا وحميمية مع الاهل والاصدقاء والاحبة، فهذا زار اماكن تلهف لزيارتها وذاك حصل على (عيدية) انتفخ جيبه بها مكنته من صعود كل الالعاب التي اغرته بعلوها وجمال الوانها فأشعرته بسعادة طافحة، إلاّ الصبي مقتدى فالذكرى التي ورثها من والده ستبقى وشما في قلبه ينغزه كلما استدعاها العقل وجذبتها الظروف، فسياط الاب التي ادمت ظهره في اول ايام عيد الاضحى المبارك ليس بالامر الهين ولا يمت للابوة الرحيمة بصلة.
مقتدى البالغ من العمر عشر سنوات من محافظة الديوانية الذي تعرض للضرب المبرّح من قبل والده ونقل الى المستشفى على اثرها في اول ايام العيد المبارك بسبب اضاعته الف دينار وبعد تحقيق الشرطة مع الوالد انكر الامر قائلا اني ضربته لانه اسقط (المبردة) وكسرها حين طلبت منه ان يقوم بسحبها!.
وسواء كان ضياع الالف دينار او كسر (المبردة) فقصته وصورة ظهره الذي تشوه بالخطوط الحمراء والسوداء كخربشات طفلٍ على جدار من اثر السياط، احدثت ضجة في شبكات التواصل الاجتماعي واخذ المعلقين بلعن الاب وشتمه وآخرين انتقدوه بأسلوبٍ مهذب ذاكرين قيمة الانسان ورحمة الوالد المفترضة.
وطرحت تساؤلات حقيقية في العالم الافتراضي: هل العقاب بالضرب بهذه القسوة فعلا يجدي نفعا ويهذب سلوك الطفل ويبقي على مساحة حب الاهل في قلبه؟
وما هي حدود عقاب الابناء في الشريعة الاسلامية السمحاء؟
وماهي العقوبات المفروضة في القانون العراقي لحماية الطفل من العنف الاسري؟
ونحن بدورنا وجهنا هذه الاسئلة لذوي الشأن والاختصاص للحصول على الإجابة الشافية بعد أن تعددت وتعارضت في العالم الافتراضي.
اجابتنا الحوزوية والمبلغة فاطمة عبد الله قائلة: اود ان الفت انتباه الاهل باعتباري أم لخمسة اولاد وانسانة اقوم بالتبليغ والارشاد عليهم ان يتعاملوا مع الطفل كزرع، الله الذي يعلم متى وكيف يضعه ومتى وكيف يرفع روحه ونحن في الدنيا اوصياء عليهم وليس مالكين، مهمتنا التي الزمنا الله بها مراعاتهم وتربيتهم حتى يشتد عودهم والمؤمن الحق يراعي كل هذه التفاصيل في مسيرته مع اولاده مهما طالت او قصرت.
وحق الاهل بضرب الطفل لتأديبه وفق التعاليم الدينية اذا ارتكب فعلا محرما او سبب اذى للاخرين على ان يكون ضربا خفيفا غير مبرح بشرط ان لا يتجاوز ثلاث ضربات على الاحوط، وان لا يؤدي الى احمرار الجلد او اخضراره او اسوداده وحكم من يضرب ابناءه بدون مبرر شرعي ويترك الاثار التي ذكرناها يعتبر فعله حرام ووجب عليه دفع الدية وتختلف الدية بحسب كون الاحمرار او الازرقاق او الاسوداد في الوجه او اليد او البدن فإذا كان في الوجه فديته دينار ونصف واذا كان في غيره فنصفه، والدينار يعادل 48 , 3 غراماً من الذهب المسكوك. تدفع للولد نفسه.
والأحوط وجوباً عدم ضرب البالغ مطلقاً مع العلم لا فرق بين الجاهل والعالم في لزوم الدية فالكل وجب عليه الدفع واذا كان صغيرا تدفع له الدية بعد ان يبلغ .
وأنا استغرب من المفهوم المغلوط المتولد لدى بعض الامهات عندما اجدهنّ مؤمنات بأن العقوبة الجسدية هي الحل الوحيد والسريع لتأديب الطفل وجعله يكف عن الخطأ وجوابي دائما: انتِ من جعلتيه لا يميز الخطأ ويكف عنه إلاّ بالضرب فالطفل مثل العجينة تشكليها بطريقتك واسلوبك وله اثار نفسية كثيرة واولها تضعف نسبة حب الطفل لوالديه وتزيد نسبة الكذب والعناد والنفور وعدم الطاعة لكل من يوجه له نصيحة حتى مدرسيه في المدرسة، والعقاب الجسدي للطفل يترك جرحا نفسيا عميقا لا ينساه ابدا، وتلازمه حالة تخريب الاشياء بدون سبب، ولا يظهر أي ندم اتجاه أي عمل عنيف يقوم به .
تقول السيدة (آمنة الحسيني) الكاتبة والناشطة في حقوق الإنسان: سابقا كان ينظر للعنف الاسري بكل اشكاله سواء ضد الطفل او المرأة او المسن على انه أمرٌ خاص بالعائلة ولا توجد قوانين رادعة ويعتبروها جنحة وليس جريمة، حتى سارعت البلدان الاوربية في تشريع قانون العنف الاسري باعتبارها قضية عامة وكذلك هم يتعاملون مع واقعة العنف حال وصول البلاغ اليهم، اما في العراق فان المعلومات واستيعاب المعرفة المتعلقة بالعنف الاسري محدود جدا وليس محل اهتمام من قبل الحكومة فإلى يومنا هذا لا يوجد قانون رادع لحماية الطفل من العنف الاسري يطبق بصورة سليمة في مراكز الشرطة، وافضل علاج هو معرفة الجاني خطورة فعلته دينيا وقانونيا ومدى اثارها النفسية على الطفل للمدى البعيد وارشاده وجعله يدرك ويفهم التعاليم الدينية في تربية الاولاد وهذا تتكفله الدولة باعتبارها اليد العليا ومساندة جميع المؤسسات الاعلامية ومؤسسات التنمية البشرية.
اما قانونيا فقد اجابنا المحامي خلف الموسوي قائلا: إن من جرائم العنف الاسري مايعتبر جنح كالشتم والسب والضرب أوجناية مثل الضرب الذي يترك عاهة مستديمة او الموت وكذلك تعتبر جناية الجرائم الجنسية كزنا المحارم، والجرائم المتعلقة بالاسرة والطفل تطبق وفق القانون المرقم 111 لسنة 1969 المعدل ولكن بحسب وجيهات مجلس القضاء الاعلى تم تخصيص قاضٍ للنظر في جرائم العنف الاسري وكذلك استحدثت مديرية حماية الاسرة والطفل من العنف الاسري لتكون احدى مؤسسات وزارة الداخلية حسب المواد ( 15,14, 30,29) التي كفلها الدســــتور العراقــــــي النافذ لسـنة 2005 لكن هناك من يرى إن هذه التشريعات لا تتماشى مع حجم التغيرات الحاصلة في الحياة وكذلك هناك ارتفاع ملحوظ في حالات العنف في الآونة الاخيرة ولهذا هناك جمهور واسع يطالب اليوم بالتصويت على قانون الحماية من العنف والذي يؤجله البرلمان منذ عام 2011.
ختاما، ان محاولة تصحيح الافكار المتحكمة في بعض تصرفات الاهل ازاء العقاب البدني الذي يجدونه الحل الاول والاخير في تربية الطفل وردعه عن السلوك الخاطئ تعد من اهم الشروط للحد من العنف الاسري وهنا يأتي دور المؤسسات الدينية في نشر التعاليم الدينية والاقتداء بخير الخلق صلى الله عليه وسلم وال بيته الاطهار لا سيما في تعاملهم مع اهل بيتهم، كذلك التكاتف والتعاون مع منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الخيرية لاشاعة ثقافة احترام الطفل ومعرفة حقوقه كما نص عليها القرآن الكريم والقوانين البشرية وضرورة ان تقوم وسائل الاعلام بخطة مدروسة ومؤثرة لتوجيه رسالة للاهل تسهم بتصحيح المفاهيم المغلوطة في تربية الطفل والابتعاد عن العقاب البدني كطريقة مفروغ منها للتوجيه ومع ذكر الاثار النفسية التي سيعاني منها الطفل في المستقبل .
اضافةتعليق
التعليقات