لقد عانى المجتمع قبيل ظهور الإسلام من تقسيم لنسيجه الاجتماعي بحيث كان الظلم يسود فيه، وذلك من خلال عنصرية مقيتة تسعى الى تقسيمه الى فئوية وطبقية تستعلي بعضها البعض الآخر فكان هناك طبقة الحكام وهم يمثلون علية القوم ومن بعدهم تأتي طبقة التجار والأقطاعيين والذين يطلقون عليهم النبلاء ومن بعدهم طبقة العبيد وهي الطبقة العامة للمجتمع.
ومنذُ بزوغ فجر الإسلام، وانتشاره في كل أوساط المعمورة، سعى الى طمس هذه الطبقيات، فساوى بين الأسود والأبيض، بين بلال الحبشي وبين بقية الصحابة، ذوي البشرة البيضاء، بعدما كان عبداً أسود، ونظرة المجتمع تكن له بالاستحقار بما يندى اليه الجبين، كما ساوى الإسلام بين العربي والأعجمي، وميز الصحابي سلمان الفارسي (رضوان الله عليه) بتقواه، ويكفيه فخراً قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيه: "سلمان منا أهل البيت".
لكن لا يخفى على الجميع، ان هناك نزعات تظهر بين الفينة والأخرى، تحاول تهمش هوية المسلم المؤمن، وتؤطره ضمن ما يمتلكه من حسب ونسب ومال وشهادة، كأن المؤمن يقاس بعمله لا بإيمانه وأمانته، مما أثر ذلك بشكل سيء على المجتمع، وظهرت آفة كبيرة تحاول ان تمزق النسيج الاجتماعي المؤمن، وتحاول ان تقلل من شأن الناس البسطاء مما أضر ذلك على حالتهم النفسية، وعانوا من آثار سيئة.
فالشخص الذي يعمل في مثل هذه الحرف او المهن يشعر بالإحباط والدونية، ولعل ذلك يرجع الى الهمز واللمز، الذي يشاهده ويعانيه من بعض النفوس الضعيفة، والتي تنظر اليه بنظرة فيها الكثير من الازدراء، مما يولد لديه نظرة سلبية تجاه ذاته، ويدفعه الى الميل ليكون وليتحول الى شخصية عدائية، وذلك لما يلقاه من معاناة، لا يمكن محاكاتها، ويكفيه انما لغة جسد الاخرين امامه أجسادهم تفضح أساريرهم المريضة تجاه الأفراد البسيطين وكذلك نبرة صوتهم التي تسودها السخرية والاستهزاء وتفضح ما تكنه صدورهم من نظرة مقيتة.
بينما الأولى بالمجتمع ان يتعاطف مع هذه الفئة بدلاً من الاستهانة بأعمالهم وحرفهم، لا سيما ان معظم هؤلاء يعانون من العوز والفقر، او تكون حرفهم شاقة، وبعضهم يتحمل أشعة الشمس الحارقة لساعات طويلة، اما في العمل بالبناء او تحميل موادها أو الفلاحة وغيرها من الأعمال، كما ان الكثير منهم يفترشون بعض الأرصفة، لبيع بعض الأغراض والحاجيات، وبدلا من مساندتهم وتشجيعهم على الحصول على لقمة العيش الحلال، نلاحظ للأسف البعض، يحاول استغلالهم أبشع استغلال، من خلال الضغط عليهم في خفض الأسعار، بينما هو يصرف الكثير من النقود في سبيل وجبة طعام في احدى المطاعم الراقية.
على المؤمن ان يتذكر ان تفريج كربة مؤمن لها الكثير من الآثار الجيدة في الدنيا والآخرة، وهؤلاء الشباب لهم الكثير من الاحتياجات الضرورية، والتعامل معهم والشراء منهم بسعر مناسب، يساهم في صيانة ماء وجههم، وحصولهم على متطلباتهم بكد أيديهم، ومن العوامل الأخرى التي يمكن من خلالها تقييد هذه النظرة الدونية لأصحاب المهن البسيطة تفعيل دور الوالدين في توجيه أبنائهم، وعدم التعرض بتنمر او سخرية تجاه أي عامل مهما كان عمله بسيط.
لان متطلبات المجتمع كثيرة وكل عمل مهما كان بسيطا، هو مهم لاكتمال دورة العمل في المجتمع، وينبغي توعية الأبناء على ان العمل الشريف لا غبار عليه مهما كان بسيطا، لأن هؤلاء الافراد من ضمن المنظومة الاجتماعية التي ننتمي اليها، ولا ينبغي تهميشهم او الإقصاء من حقوقهم في العيش بكرامة في هذا المجتمع.
اضافةتعليق
التعليقات