مما يمر على مسامعي كثيراً عند الحديث عن النساء العازبات هو وصفهن بأنهن يعشن في أرض الأحلام حيث لا توتر ولا قلق ووقت فراغ كبير يملأنه بما طاب لهن من مسرات وتسالي.
ومما لا يخفى على أحد إن هذه الدنيا ليست دار السعادة، ولم يكتب لأحد فيها الهناء المطلق، ولكل شخص تحدياته الخاصة في الحياة، وترق الحياة له حيناً وتشد عليه أحياناً وهكذا تسير.
ولأن العازبون على مر التأريخ يوصمون بما يثقل كاهلهم لذا يميلون للتماهي والاختباء وعدم التحدث عن مشاكلهم، ووقع هذا على المرأة أشد لأن القيود الوضعية عليها أكثر والمجتمع جاهز للتنكيل بها أكثر (وهنا علينا أن نعي أن مجتمعاتنا لا تطبق الشرع الإسلامي كما يجب، بل هي تخضع للأهواء الشخصية، وإلا كرامة الإنسان محفوظة وقيود الشرع مطبقة على الإنسان بغض النظر عن جنسه بنفس الحزم والقوة ولا أحد خارج عن إرادة الواحد القهار)، ويسهب المتزوجون في الحديث عن مشاكلهم لأسباب كثيرة وذلك مقبول، وهناك تراكم معرفي وأدبي واجتماعي على مر الأجيال في هذا المجال، لذا يمكن الوقوف عندها وحلها وشروع الآخرين بتقديم يد العون لمن يعاني.
وفي هذه المقالة سنتعرض لبعض ما قد يواجه العازبات لفهم أكبر وأوضح لحياة كل فرد منا لكي يزول الوهم، ويتعزز التفاهم بين أفراد المجتمع الواحد، وهو ليس من قبيل المنافسة في المصاعب والتحديات، فلكلٍ تحدياته التي تولدها خياراته وأقداره.
- مجاراة العدد الأكبر:
هن يجارين العدد الأكبر من الناس في المنزل والعمل، وعادة ما يكن في موضع مساوٍ في القوة أو أضعف في التسلسل الهرمي، وذلك يستلزم ضبطاً قوياً للأفكار والمشاعر والسلوكيات.
- رعاية الآخرين:
لا يرعين الوالدين فحسب بل كل أفراد العائلة من أبناء وأحفاد وأقارب، "لأنهن يمتلكن الوقت الفائض".
- خصوصية مهمشة:
في مجتمعاتنا حيث لا ينفصل الأفراد عن عائلتهم إلا عند الزواج، لا يحصل الأفراد على خصوصية كاملة في منزل العائلة، حيث أن مفهوم الخصوصية أساساً في المجتمعات العربية مفهوم مبهم وأحياناً معدوم، ويتحرك الجميع كوحدة واحدة، فالكل عليهم فعل كل الأشياء معاً بدون حياة ذات ملامح خاصة لكل فرد بشكل منفصل، وهذا جزء من ثقافة لها مزاياها إن طبقت بطريقة سليمة.
- مسؤوليات شخصية:
هن بطبيعة الحال مسؤولات عن أنفسهن تماماً وقد يكن مسؤولات عن آخرين أيضاً، وهي عبارة تنطوي تحتها كثير من المعاملات الحكومية والمراجعات الطبية والمخططات لتسير الحياة اليومية ورسم حياة مستقبلية مريحة، فلا يوجد أحد للومه في حال الإخفاق، لا زوج، ولا عائلته، ولا أولاده، إن لم تحقق شيئاً فهو بسبب جهودها القليلة، وتعثرها في التخطيط والتنفيذ.
- تحديات التطور والنمو:
للعزباوات عادة طموحات كثيرة وعالية في المجالات العلمية والمهنية، لديهن غايات واضحة، ورسالة سامية معينة يعملن من أجلها، وهذا هو على الأكثر السبب الذي جعلهن يخترن هذا النوع من الحياة، وهذا وحده كثير للغاية، لا يبقي بعده طاقة أو وقت.
- النظرة الوردية لحياتهن:
إن هذه النظرة تساهم بإلقاء المزيد من المسؤوليات الاجتماعية، والمهنية، فهن السعيدات اللواتي لديهن الكثير من الوقت الذي لا يعرفن بما عليهن شغله.
- الإنهاك النفسي:
كلنا ننهك نفسياً لأسباب كثيرة والعازبات لسن استثناء، ولكنهن غير مفهومات غالباً لأن لا أحد يريد أن ينصت ويكسر سردية العالم الوردي الغالبة، ولا هي تريد أن تتحدث فالمجتمع ليس صديقاً لطيفاً لها، على الرغم من أننا نعيش في ٢٠٢٤.
- الاستخفاف:
من السهل جداً أن تتعرض العازبات للاستخفاف بوجودهن في الحياة كاملاً، والتقليل من إنجازاتهن ونسبها لكونهن عازبات وليس لاجتهادهن وطموحهن، وكذلك الاستهانة بمشاعرهن وما يقلقهن، ووصمهن بالإزعاج والتعجرف والجنون عند أول لحظة غضب أو حتى حزم في الحياة الاجتماعية وفي مواقع العمل، دون النظر إلى صواب القرار من عدمه، فما دامت عازبة فهي مجنونة ذات وقت فارغ تستخدمه لتعذيب من حولها، الأمر الذي يشكل نوعاً من التحيز الخفي.
لكل خيار في الحياة ميزات عديدة ورائعة، وبقدرها عقبات، لا يجدر بنا أن نبني حدوداً صلبة في فهمنا للحياة الإنسانية، ونصنف الناس بناء على حالاتهم الاجتماعية، لأن ذلك يعيق التفاهم الإنساني.
وعلى أية حال هناك أشخاص كثر يشعرون بالفراغ على اختلاف حالاتهم الاجتماعية وأعمارهم بسبب شخصياتهم غير المتوازنة أو أزمات نفسية معينة أو تحديات حياتية ما، وفي كل الأحوال يعد الحوار الصريح المباشر والمهذب وسيلة للتعامل وحل المشكلات، وليس وصم الناس بصفات، وتنميطهم بأنماط ما، وحجرهم في ذلك النمط، فهذا هروب لا يحل المشكلة المجتمعية، ويذيب الأمل في صنع أواصر بين فئات المجتمع المختلفة لحل مشاكل كل فئة وبناء مجتمع متوازن.
سمانا السامرائي
اضافةتعليق
التعليقات