أن يكون قلبك منفتحًا يعني قبول العيش مع بعض الهشاشة والإقرار بإمكانية استقبال كلّ شيء بما فيه تعرّضك للجرح، هو قبول مخاطرة أن تعيش الحياة بكل ما فيها، فنحن غالبًا ما نفضّل أن نعزل أنفسنا والاكتفاء بالبقاء على قيد الحياة.
لكي ينفتح قلبك لا بد أن تثق بالحياة. وتكتسب هذه الثقة من ساعاتك الأولى في الوجود بفضل الوالدين. ولا بد أن يتحلى كل منهما أولاً بالثقة حتى يهبا الحياة وينطلقا في هذه المغامرة... وعلى الفور وبشكل تلقائي يثق فيهما الأطفال من دون شروط. ولكن بسبب خيبة أملنا وبسبب معاناتنا ومرورنا بتجارب مؤلمة وصادمة نفقد أحيانًا فيما بعد هذه الثقة في الحياة نرتاب حينها في ما هو خارجي من المجهول ومن العالم بشكل عام.
ومع ذلك، من المهم تجاوز هذه المخاوف، ومعالجة الجراح لتعلم اكتساب هذه الثقة من جديد، لأنها هي التي تساعدنا على التقدم. وكما رأينا، تولد الأفراح الحقيقية من هذا الشعور بإحراز تقدم، ومن الثقة، وتزداد من خلال الإحساس بالمشاركة. يطرق الفرح في كثير من الأحيان بابنا فجأة. ولنكن منتبهين بما يكفي، حاضرين، منفتحين، لاستقباله ولتذوقه.
ولا يعني بالطبع هذا الترحيب بكل شيء ولا الانفتاح على الجميع فمن المهم تعلم كيف نطور حدسنا وقدرتنا على التمييز للابتعاد عن موقف ما، أو شخص ما، قد يمثلان ضررًا لنا. إن الفرح لا ينمو في الظلام، لكنه ينتشر في نور الصباح بحسب كل واحد منا.
المنح بلا مقابل
نتحرّك اليوم في عالم لا تتوقف فيه فكرة المنح بلا مقابل عن الانحراف عن معناها الأساسي. فمن ناحية، يتزايد أكثر فأكثر ما يقدمه لنا رجال الصناعة من خدمات أو معلومات يُقال عنها «مجانية»، أي تلك التي يُدفع ثمنها بمجرد تقديم بياناتنا الشخصية أو من خلال إعلانات تفرض علينا.
ومن ناحية أخرى، صارت أنشطتنا وتجاربنا مدفوعة أكثر فأكثر موجّهة صوب جني المال والنجاح الاجتماعي والتقدير .... "وأي فائدة لهذا؟" نسأل بشكل شبه منتظم قبل الشروع في أي شيء حتى في ما لا يمت بصلة إلى خبرتنا المهنية.
وندافع عن أنفسنا فنقول إننا رهن للتسارع في وتيرة الحياة، وإنه لا يوجد أمامنا متسع من الوقت وإن الانجاز مطلوب على جميع المستويات، ونعتبر أنه لا خيار أمامنا سوى تفضيل ما يعود علينا بالنفع. ويعد هذا السياق من دون شك أحد أسباب نقص الفرح، بل غيابه عن حياتنا.
لكي يتفتّح الفرح لا يتعيَّن البقاء رهن هذا البعد النفعي الموجود باستمرار والذي يحول بيننا وبين الانفتاح ويحول دون حضورنا الدائم. يأتي الفرح في الغالب في أوقات لا نتوقعها، ولا نتوقع أن نجني فيه شيئًا.
الحياة تبادل مستمر. نتلقى ثم نتعلم أن نمنح والمنح یعنی كذلك النقل، بما فيه نقل المعرفة.
الاستسلام والرضا
نحن لا نحتمل أبدًا ما هو عشوائي وما يأتي مصادفة، وما لا يمكن توقعه. نحن نريد -حتى لو كان هذا محض وهم- أن نسيطر بشكل مطلق على حياتنا. نتشبث، نتمسك، نفكر طوال الوقت، نحلل الماضي في محاولة للوقوف على ما لم يتحقق، ولنتصور ما سيحدث مستقبلًا من أجل السيطرة عليه. نرفض أن تفوتنا أي لحظة من الحاضر. أما الاستسلام والرِضَا فهو السلوك المناقض لذلك كله. وهو يعني أنه حين ندرك عدم استطاعتنا تعديل مجرى حادث ما فعلينا قبوله بدلا من التعامل معه بغضب، والتطرق إليه من جديد، مع إبداء الندم وترك أنفسنا نهبًا للمشاعر السلبية.
لكن جسدنا ليس فقط مصدرًا للفرح من خلال خاصية الانتباه التي نوليها لحواسنا. لكنه يحقق لنا الفرح عبر التناغم، التوازن، القوة، المرونة، والبراعة الخاصة به، وحين ينجح في التعايش مع قلبنا وروحنا. ومن البديهي ألا يتحقق هذا الوضع على الدوام، لكن حين نشعر بمثل هذه الحالات، وحين نتذوقها، وحين نعمل على زيادتها يغمرنا في الغالب إحساس قوي للغاية بالفرح.
اضافةتعليق
التعليقات