إن الإيمان بالبعد الغيبي للأعمال العبادية تشغل حيزاً واسعاً في منظومة الدين الإسلامي وأهل البيت (عليهم السلام) لم يدخروا جهداً في كلامهم ووصاياهم لتوضيح ماهية الأعمال وآثارها المعنوية والمادية على حياة الإنسان.
ويكمن جمال البلاغة عند مولى الموحدين أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما وصف الصدقة بالدواء المنجح، فالإنسان قد يستجيب جسده لدواء معين، وقد لا يستجيب أما الصدقة فهي وصفة مضمونة وناجحة ليس لحالة مرضية واحدة بل لحالات عديدة ومستعصية فهي دواء عام تصلح لكل زمان ومكان.
كلنا ندرك أهمية الصدقة على المستوى الاقتصادي وكيف يمكن لمبلغ زهيد أن يغب الجوع عن أفواه الفقراء ويسد احتياجاتهم الضرورية فهي مسألة إنسانية بحتة بغض النظر عن البعد الديني للصدقة، إلا أن آثارها تمتد أكثر عمقاً وتغلغلا في نفس الإنسان فمن منا لم يسمع بأن تبسمك في وجه أخيك صدقة! والكلمة الطيبة صدقة !
كم تكلفنا تلك الإبتسامة وتلك الطرفة اللطيفة؟ وكم هي كمية الانشراح والسرور التي تنتشي داخل روحك قبل روح الآخرين؟! فالصدقة على المستوى الاجتماعي تكون شافية لكلا الطرفين المعطي والآخذ.
كذلك الصدقة تقي المجتمع من الوقوع في رذيلة الجريمة والسرقة بسد احتياجات الشباب بتوفير فرص عمل لهم والحيلولة دون كسب المال بالطرق غير المشروعة .
والصدقة على نوعين: صدقة سرّ وصدقة علانية، وقد ذكر الله تعالى هذين النوعين بقوله: ﴿إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾.
إذن الصدقة مفهوم واسع وعميق يجب أن يُدرس في كل مجالاته :
1- على المستوى النفسي الصدقة ترتقي بالإنسان وتطهره من الحرص والبخل فيكون قادراً على العطاء والبذل ولو بالشيء القليل حتى تصبح ملكة عنده.
2- على المستوى الأسري جميل أن نستفيد من هذا التشبيه بين الصدقة والدواء في ترغيب الأبناء على ثقافة الانفاق والتصدق.
3- كما نهرع لبعض الأدوية واللقاحات للوقاية من الأمراض علينا أن نلجأ للصدقة أيضاً للوقاية من البلاء .
4- الصدقة علاج للفقر فهي تستنزل الرزق ومايبذله الإنسان يعود مضاعفا.
5- الصدقة تحقق التكافل الاجتماعي لأن المعطي يشعر بحاجة السائل .
6- من مصاديق الصدقة المعنوية، طلب العلم ومساعدة الآخرين بقول أو فعل .
7- كل عمل تكمن قيمته في نيته لذلك يجب أن ننوي كل عمل خير بنية الصدقة سواء كان مادياً أو معنوياً.
8- الصدقة علاج لضيق النفس وشتات الروح فهي كفارة للذنوب التي تجلب الهم والغم .
9- بالابتسامة والكلمة الطيبة ينجلي العداء بين الناس وتُشفى القلوب من الحقد والبغضاء.
10- الكثير من المدارس والجامعات أُسست بأموال المتصدقين فالصدقة علاج للجهل أيضاً.
11- الحرص على توفير صناديق خاصة بالصدقة في كل مكان سواء في البيت، الشارع، والمدارس..الخ .
والعاقل هو من يبادر إلى الإنفاق والتصدق في حياته ولا يترك ذلك لعهدة الورثة الذين قد ينشغلون بجمع المال وعدم الاكتراث للوصية التي لا يحق للميت منها أكثر من الثلث! فلنجعل الصدقة سراج يضيء طريق الحياة أمامنا وليس خلفنا فتزيح بذلك ظلمة أرواحنا المتعبة فهي دواء منجح لكل داء وبلاء .
اضافةتعليق
التعليقات