ورد عن أبي محمد (عليه السلام) قال: قال علي بن محمد (عليهما السلام): «لولا من يبقى بعد غيبة قائمنا (عليه السلام) من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة، كما يمسك صاحب السفينة سكانها أولئك هم الأفضلين عند الله عز وجل»(١).
من أبرز معالم فترة إمامة إمامنا الهادي (عليه السلام) كانت هي التمهيد لزمن غيبة الإمام المعصوم عن مواليه، وتبين سُبل الاسترشاد لمن سينوب عليهم في أداء بعض تكاليف منصب الإمامة المرتبطة بشؤون الناس العامة الدينية والدنيوية منها.
الحاجة لمن ينوب عن الإمام دائمة
إن للعلم الإلهي نبع هو الأصل فيما يصل ألينا، ومن الطبيعي أن لهذا النبع روافد، فالأرض كما إنها "لا تخلو من حجة" هي "لا تخلو من عالم رباني متصل بالحجة الإلهية"، له خصائص ومواصفات، يمكن لعامة الناس أن ترجع إليه، فإن كان بوجود الحجة يوجد من ينوب عنه من السفراء والفقهاء والقضاة والولاة.
كما ورد في وصف زمن الظهور ففي الحديث الشريف عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «كأنّي أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة، قد ضربوا الفساطيط، يعلّمون الناس القرآن كما اُنزل»(٢). وفي الغيبة للنعماني، عن محمد بن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) قال: «إذا قام القائم [بعث] في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلا يقول عهدك [في] كفك، فإذا ورد عليك ما لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه، فانظر إلى كفك واعمل بما فيها»(٣).
فإن تَواجد الإمام بشكل طبيعي سيكون في مكان معين، لذا الأماكن الأخرى تحتاج لمن يمثله بها، فكل إمام لا يدير المجتمع بالتدبير الغيبي إنما بالطرق والأساليب الطبيعية. فكيف إن كان شخص الإمام غائب، لا يعرفه أحد، لا يصل إليه أحد، ليس ظاهر بشكل علني؟! فإن وجوب وجود علماء فقهاء فضلاء ربانيين مرتضيين من قبل الإمام، يمثلون هذه الروافد أمر مسلم وقطعي، هذا من جانب.
ومن جانب آخر نجد هذا المدح والتفضيل لدور علماء زمان الغيبة من قبل الله تعالى لأجل هذه السبب بالتحديد، وذلك لما لهم من دور عظيم وخطير لحفظ الخط الإلهي، ولحفظ سلامة عقيدة التوحيد في الأجيال، ولما لهم من دور مباشر في غيبة الإمام في رفع الشبهات وتنوير عقول الناس بنور علم الله تعالى، ومعارفه الحق.
علامة فارقة في تشخيص الروافد
كما إن الرواية أعطت علامة بارزة وفارقة عن العالم الحقيقي من غيره، وهي إنه يدعو الناس للإمام لا لنفسه، هو يريد جمع الناس حول الإمام لا حوله، يدافع عن منهج الإمام، ويدفع عنه أي شبهة أو إشكال تبث هنا أو هنا، فكل كلامه وأفعاله وأفكاره يصب تناولها إلى ختامها بما يُشم منه رائحة عبق يوسف فاطمة (عليهما السلام)، بحيث يجعل المتلقين مرتبطين به، يفكرون به، متوجهين إليه، لا أن يستغل اقتران اسمه بالإمام ليروج وليثبت أفكاره وما هو مقتنع به، فيأخذ الناس بعيدًا عن فكر ومنهج الإمام، وهذا مائز لا يصعب على أحد إن يصل إليه.
بالنتيجة لهذا النبع الإلهي روافد يستقون منه، ويسقون الناس ممن لا يتمكنون أن يصلون لذلك النبع بشكل مباشر.
تكليفنا ما هو؟
أما تكليفنا هو إما أن نكون من أهل الهمة وطلب معالي الأمور فتكون هذه الرواية الواردة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: «...وتؤتون الحكمة في زمانه حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) »)٤)، حافز لنا في أن نكون على هذا المستوى من المعرفة، ولنا نصيب من هذا الدور التعليمي في زمن ظهور إمامها.
فلا نتوقف عن طلب المزيد من علوم كتاب الله ومعارفه، وسنة نبيه المصطفى وعترته الأطهار، فلهذه المعارف أنوار كلما كانت المرأة مستمرة في مطالعتها، محاولة فهمها والعمل بها، كلما امتزج شيء منها بوجودها، وتوسعة الهالة النورانية في داخلها، ففي ذلك تثبيت لعقيدتها وتقوية لقلبها في زمن توسعة فيه الظلمة وانتشر بهِ الضلالة بكثرة.
أما من لا تستطيع أن تكون رافدًا، فلتُحصن فكرها وعقائدها بأن لا تنقطع عن أن تسقي عقلها وفكرها من هذه الروافد الواضحة، ذات السقاية الصافية النقية، التي كلما اغترفت منهم غرفة ارتوت معرفةً وحبًا لإمامها، وأزالت من قلبها تلك الحجب وقشعت عن بصيرتها تلك الظلمات التي كانت تحول بينها وبين استشعار وجود إمامها.
فالرافد الذي لا يقربها من الإمام بشكل حقيقي/ جدي إما تقصير منها بعدم الانتفاع مما تستقيه منه، أو إنه ليس المقصود في الرواية، وعليها أن تبحث عن غيره وتستعين وتطلب من الإمام أن يدلها على من يقربها ويدلها عليه، من أدلائه الخلص المتقين، وأن يوفقها لتكون منهم.
__
اضافةتعليق
التعليقات