بكل حنان الوجود تتابعت خطواته نحو بيت البضعة الطاهرة، نادى: (يا أسماء هلمي ابني..).
احتضنته يد الرحمة الإلهية، أذن في اليمنى وأقام في اليسرى، حنَّكهُ وجعل لسانه الشريف في فم الحفيد المطهر ليغذيه من البداية بريق النبوة الطاهر، فتمتزج روح الحسين بروح جده وهو يقول إيهًا حسين إيهًا حسين أبى الله إلا مايريد هو - يعني الإمامة- فيك وفي ولدك).
هنا تظهر العلة من وجود تلك المخطوطة المحفوظة في أشرف مكان - إن جاز لنا التعبير بالمكانية عن العرش - التي خصصت الحسين عليه السلام بكونه *(مصباح هدىً وسفينة نجاة)*.
مع أن الأئمة جميعهم وفي مقدمتهم أبوهم عليهم السلام مصابيح للهداية، إلا أن التخصيص بهذا المقام نابع من هنا حيث امتداد النبوة في خط الإمامة تسلسلًا من صلب الحسين (عليه السلام) وفيه امتداد الهداية لكل خيرٍ وصلاحٍ في الدنيا والآخرة.
اقرأوا عن حياته في كل الجوانب الإنسانية، العلمية والحياتية، في عائلته وفي علاقاته بجميع من في الوجود لا تحجموها في أيام عاشوراء فقط، فهو مصباح هدى لكل شيء، واستخدام النكرة هنا مقصود للإطلاق والعموم لا للحصر والتحديد.
ثم وبعدئذٍ يؤكد المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله هذه الحقيقة حين يقول:
*(حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط)*
اشعارًا منه صلى الله عليه وآله بأن الحسين عليه السلام هو الصورة الكاملة لإنسانيته العليا وأسراره العظمى وهو ظله وحقيقته التي ستتمثل من بعده، كونه والذرية الطيبة من ولده امتدادًا لحياة جده، ونائبًا عنه في حفظ مبادئه واستمرار الدين الذي بشر به.
فنُصِّب حبه سلام الله عليه مقياسًا للقرب من الله أو البعد عنه، وميزانًا للإيمان والكفر، وكأن المصطفى أراد أن يقيمه حجة دائمة على ذلك إذ لا يجترئ مسلم على اعلان بغضه بعد هذا الكلام ممن ينطق عن الله.
ولكن لو لم تكن لوازم الحب ظاهرة على سلوك المسلم، ممتزجة بيومياته، مُقوِمة لأعماله ومُسددة لمواقفه وخياراته في الحياة، لما كان حبًا حقيقيًا.
هذه بلجيكية من أصلٍ مغاربي تقول: قصة الحسين مع عاملهِ على البستان حين رآه يتقاسم الرغيف مع الكلب، خجِلًا أن ينظر إليه من يحرس البستان ولا يتشارك معه الطعام - كما قال الخادم حين سأله أبي عبدالله عن ذلك - فتأتي المكافأة أكبر مما ترسمه مخيلة البشر، عظيمة بعظم صاحبها، إنسانية برقي الإنسان الكامل الذي أعطاها ليُعلي من كرم النفس لدى الخادم مكافأة خلدها التاريخ لاستثنائيتها.
وتُردف قائلة: هذه القصة كانت بوابة النور التي أدخلتني إلى ساحات الهدي الحسيني وهي الشرارة التي أشعلت العشق في قلبي وروحي فبت لا أرى الدنيا إلا بالحسين (عليه السلام).
نعم فأسمى معاني ونتائج الحب هي مشاكلة المحب لمحبوبه والسعي لالتزام طريقته.
كثيرة هي النماذج التاريخية التي جسدت هذه الحقيقة حين غير حب الحسين (عليه السلام) كيانهم فتبدلت مساراتهم في الحياة تبعًا للبوصلة الجديدة التي اعتمدوها.
نعم فهو الحسين وكفى، كان حبه وسيبقى الفاصلة بين الحق والباطل وبين الهداية والضلال.
اضافةتعليق
التعليقات