نقرأ في المعجم الوسيط عن معاني كلمة تَنْوير: تَنْوير(اسم): مصدر نَوَّرَ. تَنْوِيرُ البَيْتِ بِمَصَابِيحَ مُلَوَّنَة: إضَاءَتُهُ. عَمِلَ عَلَى تَنْوِيرِ فِكْرِهِ: جَعْلِهِ مُتَنَوِّراً.
حَرَكَةُ التَّنْوِيرِ: حَرَكَةٌ قَامَتْ بِأُورُوبَّا تَعْتَمِدُ فِكْرَةَ التَّقَدُّمِ وَإِعْمَالِ العَقْلِ فِي فَهْمِ وَاقِعِ الْمُجْتَمَعِ وَالتَّخَلِّي عَنْ أفْكَارِ الْمَاضِي.
التنوِيرُ: وقتُ إِسفار الصبح. كُلها اشتقاقاتٍ نورانية ترمي إلى التنوّر، حتى أنك تكاد تشعر بضوءٍ يشعُ في رأسك لكثرة المرادفات النيّرة التي تقرأها في توضيح معنى هذه الكلمة وكيف ترتبط كلها بالضياء وكأن الشرح المثالي لكلمات النور هو الاستعانة بالنور ذاته لإيصال هذا المعنى. لكن هل يمكن أن يكون النور ظلاماً! هل يتحول البياض الذي يمنحنا القدرة على الإبصار إلى أداة تحطيم لبوصلات الهداية! هل يُمكن أن يتحوّل الفعل التنويري إلى فعلٍ تعتيميّ ولكنه يبقى متصفاً بصفات النور ومتشحاً بالبياض؟
تهدف الأفكار التوعوية المتصفة بصفات التنوير الحديث إلى تحرير العقل البشري من كافة القيود التي قد فرضها المجتمع والدين والتنشئة الاجتماعية، التجرّد من كل شيء وإعمال العقل إعمالاً صافياً في كل شيء، التمرد على البرمجة السابقة التي ينشأ عليها الفرد وكأن الإنسان بأفكاره القديمة هذه كائن حالك ومنعدم البصيرة يحتاج إلى جماعات تنويرية تحمل مصباحاً وتحيله إلى كائن بلوريّ شفاف يخترقه الضوء ويسير في حياته حراً منفتحاً لا قيدٌ يمنعه عن التحرر ولا قضبان تحيله حبيساً مختنقاً خلفها.
يتم استغلال هذا الأمر في العزف الناعم على النفس البشرية وتشكيك المرء بكل ما نشأ عليه، يُوهموه بأنه أداة لبرمجةٍ ما، وأن الخير والصلاح يكمنان فقط في أن يعود إلى الفكر الخام الذي يُمليه عليه عقله، فلو أطرق النظر لدقائق وتفكّر قليلاً بالكون وما فيه، وخلص إلى أنه ليس من الممكن أن يكون هذا الكون بكل عظمته قد أنشأه إلهٌ واحد، هنا سيكون له جمهورٌ من التنويريين يصفقون له لأنه أعمل عقله وخرج عن المألوف ولم يعتمد في تفكيره على أي إنسان آخر.
يتم استغلال هذا النوع من الأفكار بشكل مدروس من قبل وسائل الإعلام والأفلام والمسلسلات وأي منصات أخرى تستطيع الوصول للعقل البشري من خلال إقناعه بأنه ضحية لعادات وتقاليد بالية وأن الأولى به التحرر من وطأة كل شيء والركون على حواسه وإدراكه الخاص فحسب. يوّلد هذا النهج مقداراً من الفوضى والانحلال الأخلاقي، حيث يتم كل شيء تحت خيمة التمرد وأن العقل سيد الموقف وأن كل إنسان بالغ له حق إقرار مصيره بنفسه، حيث لا وجود للدين والقَدر والتوفيق السماوي.
كما يمكن أن تتحول السكين من أداة ذات منفعة إلى أداة قد تُنهي حياة إنسان بشكل تام، يُمكن للنور كذلك أن يكون ظلاماً حين يُراد به دحض الحق لا رفعه والكشف عنه. العلمُ نُور حين يُراد به التنور الفعلي، ويصبح مرادفاً للجهل حين يُرام به الظلام.
اضافةتعليق
التعليقات