يعد المال وسيلة الحياة وهو شيء هام وجوهري، فنرى الكثير من الناس يجدون المتعة في إنفاق المال او في جمعه ويجعلون منه الهدف الأساسي الذي يسعون اليه و يعتبرونه ضالتهم المنشودة متناسين كل من حولهم .
فهل يمكن ان يكون المال بديلا عن من نحبهم؟
وهل بمقدوره ان يكون مصدرا للسعادة؟
وهل يستطيع النجاح ان يعوضنا عن الشعور بالرضا لعدم قدرتنا على امتلاك المال الذي نبتغيه؟
سعادة لا ترى الشمس
ليس بمقدورنا ان نشتري بالمال راحة قلوبنا او حتى السعادة لأنفسنا او لغيرنا، استهلت (هيفاء علي) كلامها بهذه الجملة التي اطلقتها بحزن بانت معالمه على محياها ونبرة صوتها، ثم قالت: لقد جمعنا لامتلاك بيت صغير انا واخوتي، كان يضج بالفرحة، حينما يكون وقت العشاء كان الجميع يلتف حول تلك السفرة الصغيرة التي بها الطبخة المعتادة التي كانت تحضرها امي بكل حب، نعم كنت اشعر بوابل من السعادة ونحن نتسابق في اشباع بطوننا، لا انكر ان حاجتنا للمال كانت تؤلمنا فقد استغنينا عن معظم احلامنا، لكن السعادة التي تغمرنا انستني فقرنا واحتياجنا للمادة.
انقضت الشهور ونقل الينا نبأ وفاة عمي الذي اورثنا اموال لم يكن لها نظير، وبعدما كنا نلتقي على سفرة العشاء اصبحنا لا نرى بعضنا في البيت الكبير إلا بالصدفة، كل منا عاش في عالم اخر؛ ابي تزوج امرأة اخرى، امي مرضت لسماعها الخبر واصبحت طريحة الفراش لم تعد تستطيع ان تتناول اي طعام فقد خصص لها الطبيب وجبات خاصة، اخوتي سافروا خارج البلد وبقيت انا وامي وحيدتان تأكلنا جدران الوحشة فلم نعتاد على تلك الاسوار العالية، حاولنا ان نشغل انفسنا بكل الوسائل حتى لا نشعر بالحزن والرتابة، سافرنا شمالا وغربا على ان نشتري بسمة فرح زائفة.
وحينما يرخي الليل سدوله ويجن علينا في ظلمته تدق اجراس الحنين الى تلك السفرة التي كانت تجمعنا.
فيما قال (كريم غازي): كانت تربطني صداقة قوية بهاشم من ايام الدراسة حيث كنا حديث الكثير بارتباطنا ببعض حتى انهينا الجامعة، و لسوء الحظ لم اتوفق في الحصول على عمل بشهادتي بينما هاشم تقلد منصب بسيط وبمرور السنوات علمت بانه ارتقى نحو الافضل، مرت السنوات حتى التقيته، لم يخطر لي انه سيتنكر لي ويشيح بوجهه عني، هل من المعقول ان يغير المال النفوس ويجعل منهم اشخاصا اخرين؟!.
ختم حديثه معربا عن سعادته لانه لايزال يزاول حياته البسيطة حتى لا يتملكه الغرور والغطرسة، دون ان يشعر.
واضاف الى ما قاله كريم الشاب (ماجد هادي): ليس بالمال يمكننا شراء سعادة او حتى الصحة، فقد قضت امي سنوات عمرها مريضة، تنتظر متبرعا لانها تعاني من عجز كلوي، وحينما حصلنا على المتبرع اجرينا لها العملية وقد كانت عمليتها مكلفة جدا حيث انفقنا ما يقارب 70 مليون دينار بين السفر والمال الذي دفعناه إلى المتبرع وأجور العملية، عاشت أمي خمسة أشهر لاغير وبعدها فارقت الحياة، لم تنعم بأي راحة طيلة سنين عمرها ولم تنجب غيري لانها مريضة حتى ابي لم تستطع ان تسعده فقد عاش بعيدا عنا لمرضها المزمن، حتى الحب لم يكن قرينها فلم تستطع بمالها ان تمتلك قلب ابي، لا يسعني ان انكر بأن المال هو وسيلة مهمة لمواصلة الحياة لكن ليس غاية لابد منها فلربما يقود عشق جمع الثروة والمال الى طرق اخرى توقع بالشخص نفسه والعياذ بالله.
فقر داخلي
وشاركتنا استاذة علم النفس دلال عبد فيروز الخزاعي حيث قالت :
قال الله تعالى في كتابه الكريم: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)، لكن من يعشق المال حد النخاع ويسعى لجمعه بشتى الطرق وان كانت غير شرعية فهذا يعتمد على مدى ارتباط الفرد دينيا وفهمه بذلك يتأهل الى فهم المعنى الحقيقي للسعادة.
فهل سر السعادة يكمن في جمع المال ام لها مواطن اخرى؟
انما السعادة عندما يتمتع الفرد بروح تساعده على تخطي المشاكل في الحاضر والمستقبل واخذ الدروس منها فليس المال دليل السعادة، فكم من غني غير سعيد على الرغم من انه يمتلك مالا كثيرا فلا يشعر بلذة الغنى وكم من فقير تملأ روحه السعادة.
لكن المال وحده لا يمكن ان يكون بديلا للحب فكم من ثروات ضاعت وانفقها اصحابها عن طيب خاطر بحثا عن حب الناس لهم او حتى كسب رضاهم، فالمودة بين اجناس البشر كافة سواءً من قريب او غريب تدوم حتى وان ذهب المال وكم من رجال اعلنوا استعدادهم للتضحية بكل ثروتهم ثمنا لقلب كبير يستطيع ان يعطي بقدر ما يأخذ وكم من رجال خلعوا ثوب الثراء واختلطوا بالفقراء بعد ان اكتشفوا ان ثرواتهم كانت نقمة عليهم.
وما يقال عن النجاح، فالنجاح وحده لا يكفي لأن يكون سببا في شعور الرجل او المرأة بالسعادة التي ينشدانها في الحياة، وهناك من يستعلي ويتكبر على الاخرين وهذا دليل الضعف في الشخصية، لأنه يعاني من الفقر الداخلي لدى المتكبر، وانعدام ثقته بنفسه، ومن أجل ذلك يحاول أن يداري هذا الخلل في شخصيته بالتعالي على غيره من البشر ممن يرى أنهم أدنى منه، وينظر إليهم باستعلاء، وربما بازدراء، فهؤلاء لا يفهمون قيمة الإنسان، فهم لا يرون الجوهر، وينصب تركيزهم على القشور والمظاهر فحسب، ويبنون حياتهم على حب الظهور، مما يصعب أن يكون لهم مكان في قلوب الناس، فهم يعيشون على هامش الحياة، منفصلين عن حقيقة الوجود وهم لا يدركون.
اضافةتعليق
التعليقات