قال تعالى: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَ لَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا}(النجم:٢٩)
في مشهد من مشاهد الحياة يحدث أن نُقبِل عمن نراهم بعين الإنسانية ممن هم من أهل الدنيا والغفلة! نعم عندما نراهم بمعزل عن أعمالهم وفسقهم وفجورهم، بمعزل عن لهوهم وما يبثون من سموم خبث طياتهم، وتلك الخطوات التي ما هي إلا انعكاس لخطوات إخُوتُهم للشيطان الملهية للنفوس والملوثة للروح.
وذلك عندما نرى شقائهم، فقرهم، وقساوة الحياة التي عاشوها في صغرهم، بداياتهم هكذا قد نتعاطف معهم بل وقد نشفق عليهم، فهذا تقييم إنساني قد يكون ظاهره طيب ولكن باطنه خطر لأنه سيجعلنا من دون شعور قابلين لهم ثم إلى سلوكياتهم غير الإيمانية الظاهر لنا أو التي لم نَطلع عليها لبُعدنا عن أجوائهم الملوثة بالجهر بالمعصية.
هنا هذه الآية بمثابة فرقان لكل مؤمن واعٍ، فهي تنبهنا بأن لا نقع في هذا الفخ الإبليسي، وذلك بأن نعرض عنهم كذوات لا كسلوك فقط طالما فيهم هذين الأمرين: الأول إنهم ذوات معرضة عن ذكر الله تعالى أي ذوات غافلة عاصية، وذلك في قوله: (مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا). والثاني أنهم ذوات كل ما فيها وما يظهر عليها وما تريد أن تبلغه هو الدنيا وما فيها فقط وفقط، وذلك بقوله: (وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا).
فالذات الغافلة المنغمسة في الدنيا هي الأخطر، فالأعراض هنا يعني أن يكون في النفس نفور منهم آيًا كانت الجوانب الانسانية التي يظهرونها والتي قد ننجذب إليها، فالنفوس هو علامة سلامة الإيمان ويقظة الباطن، وإلا فإن ظلام ذواتهم ستلوث كل من يُقبل عليها.
بالنتيجة الآية تعطينا هذه القاعدة إن الإعراض يولد النفور أي عدم الإقبال للذوات الغافلة وعدم تقبلها، وثمرة ذلك وقاية وحفظ نور بواطنا، وعدم تسلل ظلمانية ذواتهم وسلوكهم في حياتنا.
كما وتعطينا مقياسا لنقس به بصيرتنا حتى نعرف إننا عندما نرى أي شخصية تنشر الظلام المزين بالنور، التي تبث الغفلة هل نرى حقيقتها أم نتعاطف مع بعض مواقفها الإنسانية؟
فهذا فخ -كما أشرنا- من فخاخ الشيطان وخطواته الذي يريد جرنا من خلالها ومن ثم إيقاعنا فيها حيث لا مخرج بعد ذلك، والوقوع في هذا الفخ هو وقوع في فخ الازدواجية في السلوك، فنصبح بذلك من الذين لهم وجهين وجها ذاكرًا ووجها مقبلًا على الغافلين، ووجها طالبًا للآخرة ووجها مقبلًا على الدنيا وأهلها.
ولكي يثبت الإنسان ويحصن نفسه من ذلك لابد أن يكون حازما في مثل هذه المواقف، فما يراه من الحق يتبعه وما يراه من باطل يعرض عنه، فالاثنان لا يجتمعان. ومن يرى إنه قد وقع بهذا الفخ يمكن أن يخرج منه بالاعتراف بالوقوع بهذه الازدواجية، فتعالى سيمد له يد العون وينجيه كما في قوله تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(التوبة:١٠١).
اضافةتعليق
التعليقات