إن من الأمور التي أشغلت فكر الكثير من عقلاء العالم هو الضرر الفادح الذي سيلحق بالأجيال القادمة بسبب استنزاف الموارد الطبيعة، وتبديد ثرواتها، وتضييع حقوق الأجيال القادمة، فثمة خوف شديد من أن تستنفذ الأرض خيراتها ومواردها غير الدورية، كالنفط، والغاز، وغيرهما من السوائل الغنية فمجموع الثروات لجموع البشرية، لا لهذا الجيل فقط ، ولكن عندما دق ناقوس الخطر بدأ الغربيون الخناق على الناس وسلبوهم حرياتهم، فأصدروا قرارا بتحديد النسل بدعوى أنه يوجب التضييق على الناس في مختلف مناحي حياتهم، مع أن التضييق جاء من الغرب ومن فساد قوانينهم، في حين إن القانون العقلي الذي ذكره الشرع أيضا يحكم بالحرية البشرية بل إن المأساة والفقر والمجاعة تنبع من سوء توزيع الثروة، والإجحاف ، والإسراف، وصرف المليارات فيما يضر البشرية .
وقد أدرك علماء الغرب هذه الحقيقة كما أكدوا ذلك في بعض كلماتهم، وهذا مما يضغط على الغرب في تغيير منهجه الذي نجم عنه المفاسد، والذي هو عبارة عن:
1- استغلاله للموارد أكثر من الحق الطبيعي لهذا الجيل.
2_ تحديد النسل بدون إحدى المبررات الثلاثة.
3- سوء توزيع الثروة مما أصاب هذا الجيل بالجوع والحرمان أيضا.
الانفتاح الاقتصادي
من المخاطر التي تنذر الغرب وتدعوه إلى تغيير سياسته الاقتصادية مجموعة الأخطاء منها الركود و تجميد الأسواق العالمية نتيجة للإفراط في إنتاج بعض المواد أكثر من الحاجة إليها، مما يسبب تكديسها في الأسواق فتتعطل على أثرها بعض المعامل عن العمل، و يسرح بعض العمال عن أشغالهم، فتحدث البطالة بما تستلزمه من مشاكل ناجمة عن الفراغ.
ثانيا: الإخلال بالسوق عبر عدم توازن المواد المنتجة مع حاجات الناس، ومن الواضح أن كل إنسان يحتاج إلى كمية خاصة من كل شيء، فإذا زادت كمية على حساب كمية أخرى اختل نظام السوق: وهذه الحالة تشبه حالة الإنسان الذي نمت إحدى أعضاءه بغير تناسب، بينما الحياة كلها نسب و مقادير و موازين. إخضاع الأسواق العالمية للعبة استعمارية، حيث يضغط المنتجون على الحكام لفتح أسواق لهم في بلاد أخرى، مما يوجب الاستعمار بمختلف ويلاته.
واحتكار المنتوجات الصناعية و الزراعية، كطريقة لرفع أسعارها، أو إلقاء الفائض منها في البحر حفظا للأسعار، هذا بالإضافة إلى أنها جريمة إنسانية تسبب تضييعا وهدرا لإمكانياته.
ويضاف إلى ذلك كله إن هذه المشاكل المتشابكة، تتمخض عنها مشاكل أخرى و سلبيات أخرى لا يمكن رفعها إلا بتعديل القوانين الاقتصادية الفاسدة و إبدالها بقوانين الإسلام المتطابقة مع العقل و الفطرة.
وإني أتذكر قبل نصف قرن إن العراق لم تكن تعتريه هذه المشاكل، لعدم وجود قوانين مستوردة تدافع عن هذه الألوان من الانحراف و الفوضى و الاحتكار وعندما جاءت القوانين الوضعية عم الفساد الأسواق، و اكتوى الشعب بنيران تلك القوانين اللافحة.
الغلاء
يعد الغلاء في عصرنا الحديث أحد أهم الأسباب التي تهدد الدول بالسقوط و تنذرها بالانفجار!
فقد أصبح الغلاء اليوم شبحا مخيفا، فإذا لم يعالج بمناهج الاقتصاد السليم فإنه سيقضي حتما على الرؤساء أنفسهم ، و سيقصم ظهورهم كما قصم ظهر الناس والاقتصاد .
ولذا نجد العقلاء في الغرب و غيرهم، قد ارتفعت أصواتهم تطالب: بخفض الأسعار، و بتحسين الاقتصاد، وبمنح الناس حقهم في نيل أوليات لوازم حياتهم.
فما معنى حرمان الناس من أبسط حاجاتهم، في حين يتمتع الأغنياء فوق حاجتهم على حساب الفقراء بلا رحمة؟!
إن الغلاء يتفاقم بسبب سوء القوانين التي تدفع إلى ذلك.
ففي العراق- مثلا- ارتفعت أسعار اللحوم خلال نصف قرن إلى ما يزيد عن (15) ألف ضعف.
والسبب أن الأغنام و المواشي كانت تربى في البيوت و البساتين و الصحاري، وكانت الأغنام سائبة تأكل الأعشاب المجانية، و الذي يقوم بتربيتها لا يطمع بأكثر من معيشة عائلته بصورة متواضعة، و لذا كانت اللحوم بأسعارها الواقعية.
أما اليوم فاللحوم و الحنطة وكثير من المواد الاستهلاكية في الكثير من الدول- الراقية منها و المتخلفة- تستورد من الخارج، و يضاف على قيمتها الواقعية.
التوظيف اللامسؤول
إن أكثر الوظائف في الحكومات الغربية اليوم مضرة، وكثير منها لا يثمر إلا هدر الطاقات والأوقات والموارد.
والدول الإسلامية قد قلدت الغرب في مجال التوظيف اللامسؤول، و شحن الدوائر أكثر فأكثر بالموظفين، بل فاقت على الغرب في ذلك !.
فإن دوائر الدولة بحاجة إلى تغيير أساسي في نظام التوظيف و العمل الإداري ، فقد فاق عدد الموظفين مئات المرات حاجة إدارة الحكم- و هذا نابع من فساد منهاج الغرب، الذي يرى ضرورة توظيف المجتمع بحيث يكون لكل دارس وظيفة من دون النظر إلى كمية الاحتياج الكبير من خريجي الكليات بسبب حرمانهم من العمل، نظرا لتزايد الموظفين و ضياع فرص العمل.
ويؤكد ذلك: أن هؤلاء الخريجين الجدد ذوي الشهادات الجامعية، تأبى نفوسهم العمل في العديد من ألوان المهن و الحرف الحرة نتيجة التثقيف الخاطئ، والمنهج غير السليم، الذي يفرض على الكل الدراسة حتى التخرج كمقدمة للتوظيف المريح في إحدى الدوائر!.
الموظف الزائد كلا على الناس و وبالا للاقتصاد العام و إتلاف الوقت وضياعه بسبب الروتين الإداري ، فإذا كان موظف واحد في المطار احتاج المسافر إلى ساعة واحدة لكي يسافر، أما إذا زودت الدولة المطار بموظف ثان ليقوم بعمل روتيني تأخر المسافر فترة أطول.
الكبت و مصادرت الحريات، إذ كثير من الوظائف الموظفين- عند المحصلة النهائية- لا تجده إلا وسيلة لتحديد حريات الناس!.
وكلما زاد عدد الموظفين كانت الخسارة اكبر و الحل أصعب.
و طالما بقيت العلاجات وقتية فان المشكلة سترمم بدلا من أن تحل وتعالج.
آثار مشكلة البطالة
في السنوات الأخيرة الماضية، أحس الغربيون - وأكثر من أي وقت مضى- أن البطالة لها أثر كبير في تأجيج الاضطرابات و الصراعات الداخلية.
فثورة الزنوج التي اشتعلت في ولاية ( لوس انجلس) الأمريكية ، و التي امتدت داخليا إلى معظم الولايات الكبرى، و خارجيا إلى بريطانيا، أكدت: أن البطالة إلى جوار العنصرية و.. أشد خطرا على المعسكر الغربي من روسيا و صواريخها العابرة للقارات.
ذلك لأن المعسكر الشرقي و رغم معداته العسكرية لم يتمكن من اختراق النظام الغربي كما اخترقت رصاصة البطالة في جسمه.
من هنا فقد أخذ النظام الغربي بالتفكير الجاد في اقتصاده المتصدع بسبب البطالة القاتلة.
فقد ذكرت بعض الإحصاءات أن في أروبا (20) مليون عاطل عن العمل، و إذا افترضنا إن كل واحد من هؤلاء يعيل فردين، فقد تحول هو و من يعول ، إلى كل على المجتمع، و هكذا يتضاعف الرقم.
و يضاف إلى ذلك نسبة المتقاعدين عن العمل و ما أكثرهم، حيث يعتمد هؤلاء على أذرع غيرهم في العيش.
والبطالة مشكلة مزدوجة، لأنه يكثر بسببها الفساد والسرقة و القتل و الاعتداء على الناس.
و لعل التفكير الجاد في إلغاء البطالة و قلعها من جذورها في العالم يتلخص في أربعة أمور:
الأول: إعادة تنظيم و تربية المجتمع بشكل ينتزع عنه الغرور، فإن الغرور يدفع بصاحبه إلى استصغار شأن العمل، وأن يرى نفسه أرفع مستوى من الأعمال الموكلة إليه.
سبق و أن ذكرنا و أكدنا على ضرورة إجراء المرتبات الشهرية أو المساعدات للمحتاجين العاجزين عن العمل بدلا من دفع رواتب للمتقاعدين سواء كانوا فقراء أو أغنياء قادرين على العمل أم لا.
إلغاء القوانين التي تمنع حيازة الناس للمباحات كالأراضي، و الغابات، و الأجمة ، و البحار، والمعادن، وكل شيء يدخل في إطار( لكم..).
إلغاء القوانين التي تقف أمام العمل، كقانون الحدود الجغرافية، و الوطنية، و اللونية و الإقليمية، وغيرها، و التي عن طريقها تفرض الضرائب.
و بدون إرساء هذه الأسس لا يمكن إلغاء البطالة في العالم، حتى بالنسبة إلى البلاد الغنية و الصناعية، فإنها بحاجة إلى هذه الأسس، و إلا لما كان في اليابان بطالة، وهي أكثر البلاد الصناعية تقدما في العالم.
اضافةتعليق
التعليقات